رجاء لا تلبسوا شرفاء أقلام صاحبة الجلالة فساد البعض منها !

رجاء لا تلبسوا شرفاء أقلام صاحبة الجلالة فساد البعض منها !

صاحبة الجلالة أوالسلطة الرابعة كما اعتادت الأدبيات على تسميتها، تمارس دورا رقابيا مهما وتمثل عين المجتمع على مؤسسات الدولة ونبراس المسؤولين في تدبير مؤسساتهم، ولكن ماذا يبقى للصحافة حين تحيد عن أدوارها؟ بل ماذا يتبقى من الصحفي أو المراسل الصحفي أو المنتسب للصحافة من شرف الكلمة حين يزيغ عن أخلاقها في انحدار نحو درك التفاهة.

سياق هذه المقدمة التوجيهية، هو متابعتي بكل أسى وغبن، اضطرار عدد من رؤساء جماعات إقليم سطات ومنتخبيها إلى الهرولة هروبا من مقر عمالة سطات بعد اختتام اجتماع موسع مع عامل الإقليم، تفاديا لوقوعهم في بعض السدود الصحفية التي كانت تتربصهم في البوابة، ليس لأخذ تصريحات حول النشاط المذكور، بل لاستجدائهم بمبررات مكشوفة ومختلفة “مي حاملة، خاصني فلوس سكانير، المازوط خوا من الطموبيل، جاتني ورقة ديال الضو والماء…” قصد الوصول إلى ضالتهم، الشيء الذي بدأ في دفع عدد من الصحافة المهنية والفعاليات السياسية والمسؤولين إلى العزوف عن حضور الأنشطة الرسمية. في مثل هذه الحالة، هل يستطيع ما يزعم أنه منتسب للصحافة أن يقوم بدوره الرقابي بوصفه صوت المجتمع والمدافع عن مصالحه، وقد تم انحرافه عن المهام الموكولة له من طرف جريدته الأم. هل أصبحت السلطة الرابعة فريسة سهلة المنال من قبل بعض الصيادين؟ هل انحدرت أداة الديمقراطية الوحيدة التي كنا نتفاخر بها عند الشعوب المتقدمة والمتخلفة؟

بكل صدق، اتفهم تحول الصحافة إلى قبلة للجميع “الحرفيين والموظفين، العاطلين عن العمل”، لكن اللوم ليس عليهم بل على إدارات الجرائد التي باتت توزع اعتماداتها وبطائقها على كل من هب وذب دون أن تشترط الحد الأدنى من المعرفة والثقافة، علما أن المجلس الوطني للصحافة بموازاة قانون متقدم للصحافة والنشر يشترطان “شهادة الإجازة” على الأقل للحصول على لقب “صحفي مهني”، فهل تحولت حيازة هاتف ذكي إلى معيار للانتساب إلى الصحافة؟

بكل صدق، الصحافة ترقد على سرير الإنعاش في الآونة الأخيرة، ومن الطبيعي أن تفقد مصداقيتها نحو ثقافة التفاهة والجهل، بعد دخول جيلٌ جديد من المؤثّرين، ينشرون الضّحالة والتفاهة، ويروّجون للسّطحي، ويهلّلون للفارغ الأجوف، هؤلاء هم “الكهربائيون”، كما يصطلح عليهم الإعلامي عادل زبيري، حيث همهم الوحيد البحث على رفع عدد “اللايكات” و “البارطاج” ولو بنشر عوراتهم مكشوفة لإثارة الجدل او لتحريك غرائز بعضهم، التي قد تكون بدورها منفذ رزق للبعض أو إشباعا لغرور البعض الآخر أو كلاهما معا، عندئذ لا نلوم القارئ الذي ينعت بعض الجرائد بصحافة التفاهة أو الصحافة الصفراء.

بكل صدق، إن اعتبارات الانهيار والضحالة لم تتوقف على الصحافة فقط في عصرنا، وإنما امتدّت لتشمل نوعية القرّاء والمتابعين الذين يشجعون التفاهة، الذين لولاهم لما أصبحنا نعايش أبواقاً تلبس الجديد من الثياب وتطلق على أنفسها لقب “صحافيين”؛ هؤلاء الذين يسميهم الشاعر الإسباني “بيدرو ساليناس” الأميّين الجدد، واصفاً إياهم في مقالٍ شهير كـ “نحلات طنانة تحوم حول زهرةٍ نضرة”، يرفضون البقاء في الدّرك الأسفل مع الشيطان في ظلمات الجهل، إلا أنهم لا يطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة المقدّس، إنهم قادرون على كل شيء… ولا يجازفون بشيء.

بكل صدق، لا أحد يمكن أن ينكر أن التكنولوجيا المعاصرة أثرت بشكل كبير في مفهوم الصحافة، وكذلك فعلت نوعية القرّاء، حتى أصبحنا نعيش زمن صحافة ما يطلق عليه الأستاذ “آلان بودو” لقب “التابلويد”، وهو النمط الصحافي الذي يهتم بموضوعات الفضائح والترفيه وقصص الاهتمام الإنساني وأخبار المشاهير، إدراكاً من وسائل الإعلام للعوائد المالية التي تجنيها من إشباع شهية “الأمّيين الجدد”.

بكل صدق، أصبحت وسائل الإعلام توظّف أشخاصاً، لا لعلمهم الغزير ولا لخطهم التحريري المنير ولا لبيانهم اللغوي الحرير، بل يكفي أن يكون المنتسب (ة) للصحافة حاصلا على هاتف ذكي، يوثق به كل شيء لأجل كل شيء، حيث جعلت التفاهة والضحالة من الصحافي المهني الذي يحوز بطاقة صحافية من الجهة الوحيدة المختصة لتسليمها “المجلس الوطني للصحافة”، يتساوى مع هاوٍ او مؤثر يستيقظ صباحاً ليصور بشاشة هاتفه الذكي كلّ ما يراه أمامه ولو تعلق الأمر بتوثيق زوجته او أمه أو ابنته تقضي حاجتها الطبيعية في الكنيف “المرحاض”، من دون الأخذ بعين الاعتبار أدنى شروط هذه المهنة النبيلة، حتى صارت مهنة المتاعب لا تحتوي أي متاعب، وإنما بكبسة أو نقرة زرّ واختيار موضوعٍ تافه يمكنك أن تصل إلى المشاهدين، وتنافس كبار الإعلاميين والصحافيين الذين جهدوا كثيراً في صقل أنفسهم وإكسابها معارف عريضة، قبل أنْ يصرّحوا بأنهم “صحافيون، حيث قال عنها الإعلامي عادل الزبيري في مقال له بعنوان: “هل انتصرت التفاهة على الصحافة”، فيكتب: “الصحافة اليوم هي أنْ يحمل مصوّرٌ تلفزيوني كاميرا وعصا، يجوب شارع محمد الخامس في العاصمة المغربية الرباط، يحمل لوغو على ميكروفون، يسأل الناس عن كلّ شيء وعن لا شيء، يبحث عن كلّ شيء أو أيّ شيء يمكن أن يصنع له BUZz أو البووز، أي يخلق الفرجة الشعبية الجماهيرية”.

بكل صدق، لا يمكن أن نرمي كل سهام التفاهة على بعض المؤسسات الإعلامية الحديثة، وذلك كون عدد من الجرائد الحزبية  في وقت ما، بدورها في التفاهة من خلال توزيع بطائقها واعتماداتها الصحفية على مناضليها داخل الحزب ولو كانوا دون مستوى تعليمي، ساهرين على تغليف العمل الصحفي بالنضال السياسي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا الخلط بين العمل الصحافي والنشاط السياسي لدى العديد من الإعلاميين هو إرث تركته الصحافة الحزبية، التي وإن كان لها دور الريادة بعد الاستقلال، فإنها كانت سببا في تنميط الكتابة الصحافية وتلوينها بقواعد “محلية محضة”، أبعدت الصحافي عن أهم ميزة يجب أن يتوفر عليها “احياد الصحفي”.

بكل صدق، هذه المقالة لا تعني شرفاء المهنة من ممارسي الصحافة ولا تندرج ضمنها المؤسسات الصحفية المواطنة على اعتبار أنها بمنأى عن صحافة الضحالة والتفاهة كالفرق بين السماء والأرض، لكن بالضفة الأخرى يتموقع بعض المنتسبون إلى الصحافة الملقبين بأسماء مختلفة ترمز للخسة وهم الصيادون العراة من لقب ممارس الصحافة، الذين باتوا يرسمون صورة قاتمة عن صاحبة الجلالة. فرجاء لا تلبسوا شرفاء أقلام صاحبة الجلالة فساد البعض منها !!!