تحقيق صحفي يعيد تسليط الضوء على ظروف غرق مروة الثانوي بمسبح فندق والملف يشتعل بدخوله للقضاء

تحقيق صحفي يعيد تسليط الضوء على ظروف غرق مروة الثانوي بمسبح فندق والملف يشتعل بدخوله للقضاء

مروة الثانوي ابنة رئيس المجلس البلدي السابق بسطات ونائب الرئيس الحالي، طفلة صغيرة لم تبلغ سن الحلم بعد من مواليد مدينة سطات في 10 دجنبر 2008، اختطفها الموت من بين أيدي أبويها في حين غفلة منهم، لم لا وأن لكل أجل كتاب، وان الموت قضاء وقدر، لكن القضاء هذه المرة كان هو مسبح الفندق الذي غرقت به بينما القدر هو سوء تدبير إدارة الفندق..هكذا كان قضاءها وقدرها وهكذا كانت نهايتها.

طرحت حادثة غرق الطفلة السطاتية في حوض السباحة التابع لأحد الفنادق المصنفة بمراكش العديد من التساؤلات، حول مدى تقيد إدارة هذا الفندق على غرار فنادق أخرى منتشرة كالفطر في الحقول عبر التراب الوطني بتوفير منقذين، للإشراف على أحواض السباحة فيها، وتقديم يد العون والمساعدة بسرعة في حال وقوع أي طارئ، مع ضرورة تعزيز الجانب الرقابي لوزارة السياحة والإدارة الترابية لتفتيش هذه الاماكن التي تستقطب زوار من داخل الوطن وخارجه دون أن تضع الحد الادنى من معايير الحماية.

إن مروة الثانوي "ضحية" توفيت في عمر الزهور واغتالها بطش وتهور إدارة الفندق التي تقدم خدمات لا تحترم شروط السلامة، وخلفت الألم والحسرة في قلوب عائلتها المكلومين والمفجوعين من فقدان فلذة كبدهم بعمر الزهور مما يتطلب الوقوف وقفة جادة وسريعة لإعادة قراءة رحيل هذه الزهرة حتى لا تتكرر حكايتها وتسقط باقي الزهور. سكوب ماروك قرر تسليط الضوء على هذا الملف والنبش في حيثياته من خلال عدة تساؤلات:

كيف توفيت مروة الثانوي؟ ماهي خصائص مسبح الفندق الذي غرقت به؟ كيف يترك باب بركة السباحة مفتوحا؟ ماذا قررت عائلة الضحية في الملف؟ ماذا يقول القانون في النازلة؟ ماهي الإجراءات المحتملة من ذوي الاختصاص مستعجلا؟

تنطلق الحكاية التراجيدية بتساؤل يكون الأخير

قرر مصطفى الثانوي رفقة زوجته وأختها القيام بزيارة لإحدى الفنادق  بمدينة مراكش بتاريخ 4 يونيو 2016، لأخذ قسط من الراحة بعيدا عن روتين العمل وزحمة الوقت الذي بات لا يرحم، هناك جلست الأسرة على طاولة بجوار حوض السباحة ترتشف بعض المشروبات الباردة تقيها لوعة حر الصيف الحارق، وكانت برفقتهم الطفلة "مروة" المرحة كلها شوق وحنين لتلامس مياه مسبح الفندق المغرية. كيف لا وهي تشاهد أطفالا آخرين يداعبون المياه المتدفقة في هوامش المسبح، خلعت ثياب السفر ورمت بنفسها في المياه وسرعان ما صعدت لتحكي لعائلاتها عن طعم ملامسة الماء والغطس به قبل أن تنطق بلسان بريئ طارحة تساؤل إلى عائلاتها خلق الحيرة بعد وفاتها، حيث خاطبت والدتها "هل ستبكين علي إذا ما غرقت في المسبح؟ هل ستشعرين بالأسى من وفاتي؟"، لتخرج الخالة عن صمتها بعدما كانت غارقة في الحملقة في تحركات مروة البريئة بحركيتها التي تضفي على طاولة العائلة نكهة طفولية خاصة لتجيبها "برا عليك أ بنتي"، لا أحد من العائلة كان يتوقع أن هذا السؤال سيكون الأخير لها في الحياة.

لحظة غير عادية لمشهد غير عادي

في لحظة غير عادية تجمع العديد من زوار الفندق في مشهد غير عادي يراقبون سائح بريطاني يخرج طفلة غارقة من حوض السباحة، المشهد نزل كالصاعقة على قلب العائلة الجالسة التي بارحت مقاعدها مهرولة نحو موقع الحادث ليكتشفوا أن الأمر يتعلق بفلذة كبدهم "مروة".

سياح من بريطانيا يحاولون بشتى الأساليب إنقاذها وتقديم الإسعافات الأولية في غياب تام لمنقذ أو مشرف على أحواض السباحة أو مسعف بالفندق، ليخرج الأب المكلوم هاتفه طالبا سيارة النجدة، قبل يحل وفد عن إدارة الفندق ليعاين الحدث الحزين مكتفين بطلب سيارة الإسعاف التي عملت على نقل "الضحية" مروة إلى مصحة الجنوب بمدينة مراكش بناء على طلب الوالد الذي كان همه هو إنقاذ فلذة كبده، حيث رقدت بها لمدة ثلاثة أيام.

"مروة" تسلم روحها إلى خالقها

قررت عائلة مروة نقلها من مصحة مراكش صوب مصحة للأطفال بالدار البيضاء التي رقدت بها هي الأخرى لمدة 11 يوم قبل أن يتم نقلها إلى مستشفى ابن رشد الذي مكتت به هو الآخر لمدة ثلاثة أيام، كانت خلالها الدقائق تمر والخبر ينتشر كالنار في الهشيم، فـ"مروة" كان أميرة عائلتها بضحكتها البريئة ودعاباتها، والوالدين لا تتوقف رنات هواتفهما  في اتصالات من العائلة للتأكد من الخبر. وما هي إلا دقائق معدودة حتى صار الخبر الأليم حقيقة بعدما تمكنت بعض المنابر الإعلامية من تأكيد الخبر، حيث انطلقت سلسلة أخرى من المكالمات للوالدين بينهم من يقدم المواساة والمؤازرة للوالدين وآخرون يعرضون خدماتهم لتقديم يد العون في المصاب الجلل.

في يوم 20 يونيو 2016 أسلمت "الضحية" مروة روحها لخالقها، حيث غلف الحزن نبرة صوت والدها، أما باقي أفراد العائلة فقلوبهم كانت لدى الحناجر، وألسنتهم لجمت من هول الفاجعة، لدرجة لا يردون فيها عن هواتفهم ويلتزمون الصمت في قسم العناية المركزة بمستشفى ابن رشد بالبيضاء، بعد ساعات قليلة، كانت صور "مروة" تغطي مختلف مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الصحفية خاصة على مستوى مدينة سطات يقدمون التعازي للعائلة المكلومة.

فاعل جمعوي حقوقي ومستثمر يدق ناقوس الخطر

أكد فاعل جمعوي حقوقي ومستثمر في مجال السياحة لسكوب ماروك بعد طلب استشارته في ملف "مروة" مبرزا أن وجود منقذ أو مشرف على أحواض السباحة من قبل إدارات الفنادق يعتبر من المسلمات، التي يجب توفيرها قبل افتتاح أحواض السباحة أمام الزوار، مع إمكانية تكرار حالة "مروة" في العديد من الحالات خاصة مع حلول أشهر الصيف الحارة، وبدء موسم العطلات الصيفية، مما يتطلب سرعة اتخاذ الإجراءات وتوفير الاشتراطات التي من شأنها الحفاظ على سلامة وأرواح فلذات الأكباد من مخاطر الموت غرقا فيها.

والد الفقيدة يتحدث للصحافة لأول مرة بعد المصاب

في اتصال هاتفي لسكوب ماروك مع مصطفى الثانوي الرئيس السابق لجماعة سطات ونائب الرئيس الحالي لنفس الجماعة ووالد الفقيدة "مروة" تحدث وجهيش البكاء لم يفارق كلماته، لكن البحث عن الحقيقة كان يفرض علينا الاتصال به، حيث أشار إلى أن عدم توفير إدارة هذا الفندق لمراقبين لأحواض السباحة وكذا غياب منقذين للإشراف على أحواض السباحة فيها يعتبر نوعاً من أنواع الإهمال والتقصير الذي يتوجب التصدي له من قبل الجهات المسؤولة في كل فندق من وخاصة أن فندق "ريو تيكيدا" الذي غرقت في مسبحه فلذة كبده من الفنادق المصنفة والذي يستقبل أفواجا يوميا من السائحين وله اهتمامات دولية، فكيف يسمح بالتجول والسباحة في الأحواض دون وجود منقذين او مشرفين على الأحواض للإغاثة.

داعيا في الوقت نفسه إلى تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن كل الجهات الحكومية المعنية لتنفيذ زيارات ميدانية على جميع الفنادق والمنتجعات السياحية بالمغرب، والوقوف على مدى التزامها بتوفير الاشتراطات المطلوبة وفي مقدمتها المنقذ ومنح  الفنادق غير الملتزمة منها مهلة بسيطة لا تتجاوز الأسبوعين لتسوية أوضاعها مع منعها من فتح أحواض السباحة فيها خلال هذه الفترة أمام الزوار، والعمل على إغلاق المسبح بشكل نهائي في حال عدم التزامها بذلك.

فندق بنكهة غياب معايير السلامة

فندق ريو تيكيدا هو أحد فنادق ال 4 نجوم ويحتوي على كل متطلبات الحياة العصرية وتقييم الفندق جيد جدا بناء علي أراء المسافرين ويضم نادي ليلي وصالون حلاقة، كما يقدم هذا الفندق للضيوف نادي أطفال، مسبح خارجي وتشمل كافة الوجبات، وتضيف الإشهارات الخاصة بالفندق أنه يلبي إحتياجات العائلات مع أطفالهم بتقديم خدمة مجالسة الأطفال وحوض سباحة للأطفال، كما يتواجد طاقم محترف للإهتمام بالزبائن على مدار الساعة، لكن هل سقط سهوا أم عمدا الإشارة في هذه الإعلانات الخاصة بالفندق الإشارة إلى عدم اتباع تعليمات السلامة وغياب اللوحات الإرشادية والتوعوية للحفاظ على سلامة الأطفال، حيث كيف التسويق سياحيا  لفندق لا تتوفر فيه أدنى شروط السلامة على خلفية غياب  سباح منقذ على عين المكان والافتقار لأدنى مقومات الحماية بالمسبح ومتطلبات التدخل السريع وغياب مشرف على احواض السباحة ممّا كان بإمكانه تجنّب فاجعة "مروة" وآخرون ربما سيكون لهم نفس المصير مالم تتدخل الجهات المختصة لوقف الفندق عن هذه الممارسات المخلة لشروط حماية المواطنين.

ملف "مروة" على طاولة الرميد وهذه رسالة الثانوي عبر القضاء

كشفت مصادر سكوب ماروك أن عائلة الفقيدة "مروة" قامت بوضع شكاية إلى وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية بمراكش يوم 4 غشت 2016 تحت عدد /9101/165785 ضد الفندق المذكور بتهمة "الإهمال والتقصير المؤدي للقتل غير العمد".

يدرك مصطفى الثانوي والد "الضحية" مروة تماما، أن حزنه وحديثه عن فلذة كبده ودفعه بالملف إلى القضاء لن يعيداها إلى الحياة، لكن، ووفقا لما جاء في تصريحه لسكوب ماروك، فإن "التوعية من خطورة الإهمال والتقصير في الخدمات داخل أحواض السباحة ببعض الفنادق ومنها هذا الفندق الذي لقيت به ابنته حتفها قد يساهم في إنقاذ حياة الكثيرين من الأطفال ربما في يوم من الأيام ستحكم عليهم نفس الظروف أن يكونوا ضحية لنفس لسوء تدبير نفس الفندق".

القانون في صف عائلة الضحية وهذا ما يقوله في النازلة

عدم توفير البيئة الآمنة حول حوض السباحة، أو غياب منقذ مختص طوال الوقت، في المسبح، يشكل "قلة احتراز"، حيث تصنف قضية وفاة الطفلة "مروة"  بكونها نوعا من أنواع "القتل الخطأ بظروف إهمال أو قلة احتراز"، مما يشكل اعتداء على حق الإنسان بالحياة، وعلى سلامة جسمه، فحتى إن كان الجاني لا يقصد إيذاء جسم المجني عليه عمدا، إلا أن النتيجة الجرمية بالوفاة تحققت بخطئه غير العمدي، ويستوجب ذلك العقاب، حسب القانون الجنائي المغربي.

من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة، عوقب بالحبس وتتحقق هذه الجريمة بوجود علاقة بين خطأ الجاني وحدوث الوفاة، حيث ينص القانون الجنائي في الفصل 432 أنه "من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، قتلا غير عمدي، أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم".

والي جهة مراكش آسفي مطالب بالتدخل الفوري من باب اختصاصه

بحكم الاختصاص  وقوة القانون بات عبد الفتاح البجيوي والي جهة مراكش آسفي وعامل إقليم مراكش مطالبا بتفعيل أحكام المادة 10 من القانون رقم 61.00 المتعلق بإمكانيته إخراج الفندق المذكور من تصنيفه  وتغييره بإدراجه في صنف أدنى نظرا لعدم احترامه لشروط السلامة المطلوب توفرها في مثل هذه المؤسسات السياحية، خاصة ان الأمر لا يتطلب انتظار محضر اللجنة الجهوية لتصنيف المؤسسات السياحية، على اعتبار أن الوالي يجوز له، كلما دعت الضرورة إلى التعجيل، أن يقوم بتغيير تصنيف مؤسسة سياحية مؤقتا لمدة لا تتجاوز ستين (60) يوما إذا كانت ظروف استغلال المؤسسة المذكورة تستوجب ذلك في انتظار استشارة اللجنة الجهوية لتصنيف المؤسسات السياحية، قصد اتخاذ كل التدابير والإجراءات، التي تسهم في منع تكرار مثل هذه الحوادث المفجعة، ومن بينها إقامة سور يحيط بأحواض السباحة من جميع الجهات، منعا لوصول الأطفال إليها إلا برفقة ذويهم، مع ضرورة وجود منقذين ومشرفين على أحواض السباحة طيلة اليوم قصد التدخل في حالات الطوارئ.

على سبيل الختم..

اليوم، الجميع يريد معرفة الحقيقة في قضية وفاة "مروة الثانوي"،  هل هو القضاء والقدر أم أن القضاء كان سوء تدبير إدارة الفندق والقدر هو غياب شروط السلامة بالمسبح، وتبقى الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل خاصة أن الملف دخل إلى العدالة والإجابة عنه سلسة  قد لا تتطلب عدة جلسات بإدانة الفندق بالتقصير.

تجدر الإشارة أن طاقم سكوب ماروك من باب الحياد في إعداد هذا التحقيق، حاول التواصل بشكل رسمي مع إدارة الفندق عبر هاتف استقبالهم طوال فترة إعداد التحقيق، لمنحهم حق الرد على المعلومات التي نتوفر عليها في هذا الاستقصاء، لكن طاقم سكوب ماروك صدم لأيام بإخبارنا من طرف المستقبل للمكالمة بغياب المخاطب الرسمي.