سطات: عاصمة الشاوية تتحول إلى قلعة للتسول.. والدولة تلتزم الصمت حول ظاهرة بات التطبيع معها مباحا

سطات: عاصمة الشاوية تتحول إلى قلعة للتسول.. والدولة تلتزم الصمت حول ظاهرة بات التطبيع معها مباحا

وُجوه شاحبة وملابس بالية، وبنبرة توّسلٍ أقرب إلى البكاء، يسألونك العطف عليهم والرأفة لحالِهم؛ يستعملون شتى أنواع الكلمات الأكثر تأثيرا في نفسك؛ لكي تحن وتمد يدك إلى جيبك وتُخرج منه دُريهمات معدودة تمنحها إياهم، لتسمع الدعوات بالخير والنجاح وغيرها تنهال على مسمعك، لتردد آمين بشكل علني أو في قرارة نفسك.

التسوّل، ليس ظاهرة جديدة بمدينة سطات، لكن الجديد فيها نوعية المُتسولين وطرق اشتغالهم، خاصة بعد التحاق فئات جديدة مع بداية الشهر الفضيل “رمضان”، لدرجة أصبحت عند كثيرين مهنة لها قواعدها وأمكنتها الخاصة، ولم تعد مقتصرة على المعوزين من الشيوخ والنساء، بل إن فئة كبيرة من الشباب أصبحت هي الأخرى، تنتشر في الطرقات للتسوّل، حيث باتت امكانية السير والجولان شبه مستحيلة في  والشوارع، كما أن التبضع داخل مختلف المراكز التجارية والأسواق بات امتحانا حقيقيا لمدى صبر المواطنين على مضايقات المتسولين…

سكوب ماروك ينبش في جذور ظاهرة التسول بمدينة سطات لنفض الغبار على هذا الملف وإماطة الركام المتكتل حول الظاهرة التي تسير نحو النصب والاحتيال من أجل الحصول على المال الوفير وليس لقمة في بطن جائع.

تتعدد طرق التسول والهدف واحد

صار التسول تجارة مربحة لا تبور مع مرور الأيام لأنها لا تتطلب كفاءات أو ديبلومات أكاديمية معينة، بل إتقان بعض الوسائل تؤدي إلى غاية وحيدة هي جمع المال بأسهل الطرق، حيث تحتاج توظيف تجارب الشارع لاقتناص الضحايا من الباحثين عن البر والإحسان، حيث أكد أحد المتسولين رفض الكشف عن اسمه على مقربة من محطة سيارات الأجرة الصنف الأول المتجهة نحو البيضاء وبرشيد في تصريح سكوب ماروك على اعتمادهم على عدة أساليب لاستمالة المارة ومن بين أحدث الطرق التفنن في تمثيل أنفسهم ذوي عاهات وإعاقات بدنية، قصد كسب عطف المارة، مضيفا أن من زملائه من يتقن طي الرجل أو الذراع بشكل بارع إلى درجة يتخيل معها الناس أن الرجل فعلا ذو عاهة ويستحق الرحمة، فتنهال عليه الصدقات من كل جانب، كما أبرز نفس المتسول أن هناك طريقة حديثة في التسول ملخصها أن يأتي المتسول متجولا قرب الأبناك والصيدليات بمظهر محترم ويعلوه وقار، ويبدو على محياهما الحزن، وفي يده وصفة طبيب بدعوى أنه بصدد جمع ثمن أحد الأدوية الباهظة التي عجز عن شرائها بعد طرده من العمل.

تسول بأيادي صغيرة

أصبح تسول الأطفال شبحا مخيفا في شوارع سطات وهذا الشبح صار مألوفا مشاهدته بالنهار وحتى أوقات متأخرة بالليل، ففي كثير من الطرقات والمواقع الاستراتيجية وأمام أبواب المساجد ومواقف السيارات والإشارات المرورية بالمدارات الطرقية، بل وحتى على أبواب المقابر، تجد أيادي صغيرة تمتد لتتوسل إليك من قبل أطفال متسولين، ورغم اختلاف الطرق التي ينهجونها يظل المشهد مؤلما بمنظر هذه الأيادي الصغيرة التي تمتد وتنادي بصوت مرتجف “الله يوفقك ساعدني .. الله يرزقك عطني” وبين هذه العبارات وأماكن تواجدهم يكون المحسن في حالة نفسية تدفعه أكثر للعطاء.

 التسول الإلكتروني يغزو مواقع التواصل الاجتماعي

تعد ظاهرة التسول الإلكتروني من أخطر ظواهر التسوّل على الإطلاق التي باتت منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي فايسبوك، بل هي وسيلة لجني مبالغ خيالية تفوق بكثير طرق التسول المعتادة، حيث يعمد بعض ممارسيها على نشر صور وهمية لعجزة ومرضى ويدونون معها بعض الكتابات التي تستعطف لتقديم الاحسان والمساعدة مع أرقام هاتفية يقال أنها لأخر أو ابن المتضرر قصد التنسيق معه وتسلمه المبالغ المالية للمساعدة.

هذه الظاهرة، وإن عجزت عن التصدي لها أجهزة الأمن والاستخبارات لغياب قرائن عليها، كونها تتخذ مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي دروعا لحمايتها، حيث يقوم المتسولون في الاحتيال على الأفراد دون مقابل من أجل الحصول على مبالغ مالية باستخدام ذرائع وهمية مختلفة مثل الحاجة الي تقديم مساعدات التي لا تندرج تحت مظلة رسمية، ما يعد عملا غير قانوني لذا كان من الواجب بمكان أن تقوم الجهات المعنية والقانونية بزيادة الحملات التوعوية التي قد تساعد في التقليل من تلك الظاهرة، كما يتحتم على كل فرد في مجتمعنا أن لا يندرج خلف كل اعلان الكتروني يراه أو يرسل إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها قبل أن يتحقق من مصداقيته.

أفارقة بعربية مفرنسة يضعون بصمتهم في شوارع سطات

جحافل من النساء والرجال ينحدرون من دول جنوب الصحراء، نشاطهم الرئيسي هو ممارسة التسول عند الإشارات الضوئية وآخرون يحملون قطع منديل يتسابقون لمسح الزجاج أو يتفوهون ببعض العبارات الفرنسية المختلطة مع العربية “عاونا svp” و”ميرسي بوكو..الله يرحم الوالدين”، مما يخلق ازعاجا حقيقيا لمستعملي السيارات، بعدما تنزل هذه الفئات من المجتمع فوق اسفلت الشوارع غير آبهين بخطورة سلوكاتهم أو الإشارات الضوئية المنظمة للمرور.

أفارقة يستغلون رأفة الناس بهم لتكديس الأموال يوما بعد يوم، أو بتغيير الأماكن والمدن أحيانا فقد تكون مدينة سطات عبارة عن محطة عبور لتجميع بعض الأموال لإتمام مسار الرحلة نحو بعض المدن السياحية التي تعد فضاءات خصبة للتسول، فالأساس لديه هو تجميع أكبر قدر ممكن من المال يقيهم غدر الزمان ونوائب الدهر.

على سبيل الختم

يقتضي الحد من ظاهرة التسول توحيد الجهود وتكثيف الحملات التوعوية باستعمال وسائل الإعلام والندوات وغيرها، إلا أن محترفيها حريصون على تنويع وتجديد أساليبهم باستمرار، باحثين عن وسائل وذرائع جديدة للحصول على الأموال، ومستخدمين كل الوسائل المعتادة والحديثة منها كوسائل الاتصال الاجتماعي، حيث أن ظاهرة التسول متحولة ومتغيرة باستمرار، لذلك وجب على المحسنين أن يتعاملوا بحذر مع هذه الفئة، وأن يوقنوا بأن زكاة أموالهم وصدقاتهم أمانة يجب أن تؤدى إلى مستحقيها، ويجب أن يدرك المرء بأن ظاهر الإنسان لا يكشف دائما عن خباياه، في وقت تبقى السلطات المحلية والأمنية ومؤسسة التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية ملزمة بتنظيم دوريات تمشيطية لوقف نزيف هذا السرطان الذي بات يستشري يوما بعد يوم في بمختلف الفضاءات بمدينة سطات