سيدة سطاتية نموذج عالمي للصبر والتحدي..الفنانة الدولية طاطا ميلودة تفتح علبة أسرارها لسكوب ماروك
في ظرف وجيز تمكنت الفنانة المتألقة السطاتية ميلودة شقيق أو "طاطا ميلودة" كما تسمى فنيا من فرض نفسها على الساحة الفنية العالمية، عرفها الجمهور من خلال شخصية طاطا ميلودة التي أدت بها مجموعة من الحفلات الفكاهية في مجموعة من المدين الأوربية قبل أن تتحصل على وسام الثقافة الأوربي كأرقى الأوسمة الأوروبية نظير الخدمات الاجتماعية والفنية التي تقدمها لمحبيها..التقاها موقع سكوب ماروك فكان معها الحوار التالي :
ما هي ظروف الولادة و طبيعة العلاقة الأسرية في مرحلة الطفولة ؟
ميلودة شقيق أو طاطا ميلودة كما تعرفها الساحة الفنية من مواليد مشرع بن عبو بإقليم سطات في 15 يوليوز 1950، عشت ظروف مأساوية في مرحلة الطفولة خاصة أن مسقط رأسي تميز ببعض التقاليد التي طالما رفضتها مثل ذهاب الذكور للمدرسة و منع الإناث من ذلك لأنها كانت تدخل فيما يسمى بالحشومة و العيب، لكن بالبديل كنت أحمل محفظة أخي و أرافقه للمدرسة ليس لدخول القسم لكن لأفتخر على باقي فتيات الدوار أني ذهبت للمدرسة و نفس الشيء أنتظرة في باب المدرسة إلى حين خروجه لأمسك محفظته في طريق العودة كأني أنا العائدة من المدرسة.
كيف كان دخولك لقفص الزوجية؟
بالفعل تزوجت في سن مبكرة لا تتجاوز 14 من العمر محاولة الهروب من الضغط العائلي و التقاليد، لكن للأسف دخلت قفصا من نوع آخر و هو الزواج، إذ منع زوجي خروجي من المنزل. بدأت مرحلة أخرى من حياتي المأساوية لكن سرعان ما فتئت تتقلص بوجود أطفالي الذين ركزت اهتمامي ليكون لهم مستقبل أفضل مني، إذ لدي الآن 6 أطفال : 3 ذكور و 3 إناث و 8 أحفاد. و في سنة 1985 انتقلت لمدينة سطات و بالضبط لحي "قطع الشيخ" حيث مكث حوالي 10 سنوات قبل أن أهاجر للديار الفرنسية سنة 1995.
لماذا هاجرت المغرب و هل فعلا تم تحقيق مرادك؟
كان وصولي إلى درب الشهرة ليس بالسهل٬ بل وراءه سيول من المعاناة والأسى والألم٬ دفعتني للبحث عن قارب نجاة كنت أحلم بفردوس تتوفر فيها كل شروط الحياة الكريمة والسعادة المثلى والنعيم المفقود٬ لكنها أدركت منذ الوهلة الأولى أن كل ذلك مجرد أضغاث أحلام٬ فالسعادة التي كانت أتلهف وراءها٬ أمر مستعصي المنال بالنسبة لمهاجرة سرية لا تمتلك أدوات التواصل ولا حول ولا قوة لها أمام متطلبات الحياة في عاصمة عالمية تعج بالمغريات وليس بالهين على غريب عنها ضعيف الحال٬ انتزاع مستقر حتى و خاصة في انعدام لغة للتواصل. قاسيت الكثير من أجل الاستقرار في خفاء مع صغيراتي الثلاث٬ تدحرجت بين العديد من المحلات والمقاهي والمطاعم والبيوت لكسب قوت الأسرة المتفرقة بين الضفتين٬ اشتغلت منظفة ومكوية للملابس ومعتنية بالعجزة وبالرضع كل ذلك في ظروف جد مزرية. لكن هناك سيدة بقيت في ذهني و كانت من الأغنياء لكني عانيت من تعسفها و حبسي داخل المنزل إلى أن حررتني ابنتها لأشق دربا آخر في النجاة بعيدة عنها.
كيف بقيت علاقتك الزوجية و أنت بالمهجر؟
كان ارتباطي بأطفالي كبير و سفري بالدرجة الأولى للمهجر من أجل ضمان مستقبل أفضل من الذي عشته، لكن شاءت الظروف أن تستمر معاناتي و امتحاني للقساوة، خاصة بعد أن تلقيت خبر ارتباط زوجي بشابة لا تتجاوز 17 و أنا التي ضحيت و اشتغلت من أجل لم شمل العائلة٬ فشاء القدر أن يكون حافزا في تفجير كل مكبوتاتي الفكرية وتحويل المستحيل إلى ممكن. فنشأت في ذهني فكرة البحث عن وسيلة للتعبير عن المآسي و المعانات التي عشتها والتخلص من آلام كبتتها بداخلي لسنين٬ لنقلها إلى جمهور واسع من أبناء جلدتي لأكون عبرة لهم.
ما هي أول خطوة نحو التمرد و تفجير الذات؟
بعد اجتازي لدروس و امتحانات محو الأمية باللغة الفرنسية سنة 2006 وبامتياز٬ دفعتني إحدى مدرساتي إلى محاولة التعبير عن أفكاري من خلال نوع فني معين، و خاصة بعد أن علمت بقصتي فاخترت الفكاهة "سلام" كما يسمى على المستوى الأوربي. فانطلقت ببعض العروض البسيطة داخل القسم الذي كنت أدرس به إلى أن طرقت مجموعة من الأبواب و تعلمت بعض فنون المسرح و الفكاهة لأصبح فنانة مبتدئة عند بعض الجمعيات المحلية بمدينة الأنوار .
هل لذيك بعض المستملحات الفنية أثناء عروضك أو حياتك؟
بعد أن أصبحت مشهورة على المستوى الأوربي و في أحد الأيام طلبوا مني إقامة عرض فني في أحد المواقع، لتشأ الصدف أن أقدمه بجوار مقر سكنى السيدة الغنية التي كنت أشتغل عندها عند وصولي للمهجر و التي عانيت منها الكثير. و قلت في نفسي لا يأس مع الحياة و كنت سعيدة جدا بالعرض لأني كنت على علم أنها على خبر بوصولي لتقديم العرض من خلال اللوحات الإشهارية و الإعلانات.
كيف التقيت الفنان الدولي جمال الدبوز ؟
في أحد الأيام و بالضبط الثلاثاء يقيم الفنان جمال الدبوز عروض للمبتدئين على خشبة مسرحه و ركبت حافلتين و ثلاث ميترو قصد الوصول للمسرح و بالفعل حضرت و أعجبتني العروض التي قدمها الشباب على الخشبة فقررت أن أقدم في الأسبوع المقبل عرضا على الخشبة و في الأسبوع الآخر منعني رجل الأمن من الدخول بدعوى ترك مكاني لشخص آخر لم يشاهد الخشبة من قبل إلا أن فطنتي جعلتني أناديه بابني فأدخلني للمسرح شريطة عدم عودتي مرة أخرى للخشبة و من حسن الصدف أني رأيت الفنان جمال الدبوز بالرواق فأجريت معه حديثا مطولا عن محاولاتي الفنية. و عند عودتي للمنزل كتبت وصفا لما شاهدته على الخشبة و رجعت مرة أخرى في الأسبوع المقبل و أعطيت حارس الأمن مقالي لإيصاله للفنان جمال الدبوز فما كان منه إلا أن دعاني شخصيا تفضلي يا طاطا و عندها تبدل سلوك رجل الأمن معي و في نفس الوقت بدأ اسمي من ميلودة شقيق إلى طاطا ميلودة كما ناداني الفنان جمال الدبوز بعد أيام من ذلك لمجالسته لثلاث أيام في مجموعة من المواضيع الفنية.
كيف تقيمين مسيرتك الفنية الآن؟
ابتسم لي الحظ أخيرا و ذلك بفضل إصراري و مثابرتي وفتحت لي أبواب الشهرة على مصراعيها لأتبوأ مكانة خاصة بين نجوم أغنية "سلام" فبسلاسة ومرونة عز نظيرها٬ أخذت أعبر بلحن مميز يحمل في طياته نبرة من نبرات بنات الشاوية عن مراحل طفولتي المأساوية وحرماني من التعليم وزواجي وهجرتي السرية وكدي وحياتي الفنية٬ استعمل في حفلاتي أسلوب بسيط ينطلق من قلبي ليصل الأعماق عبر زجل بسيط بمستويات صوتية مختلفة وموجه مباشرة إلى قلب المتفرج مع مصاحبة موسيقية. كما خصني وزير الثقافة الفرنسي٬ فريدريك ميتران باستقبال خاص٬ وأبدى إعجابه بتجربتي الفريدة والناجحة. ومن المفارقات العجيبة في مساري اني أقدم أكثر من عرضين في كل أسبوعين لكني غير معروفة داخل أرض الوطن٬ إذ لم يسبق لي تقديم عروض كثيرة أمام الجمهور المغربي٬ إلى أن جاءت الدعوة من المعهد الفرنسي بالدار البيضاء ومجلس الجالية المغربية بالخارج للمشاركة في الأمسيات المنظمة على هامش الدورة ال18 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، حيث أقمت أول عرض بالمغرب و بالضبط بمدينة الدار البيضاء في 17 فبراير 2012.
لماذا لا تحاولين ترجمة واقعك إلى عمل درامي يكشف المأساة التي يعيشها الأميون؟
في القريب العاجل سأقيم معرض للإعلانات التي طبعت قبل حفلاتي الأوربية و معرض لكل المدن التي قدمت حفلات على مسارحها، كما أفكر في تدوين كتاب عن سيرتي الذاتية ليكون شمعة تنير درب الخلف القادم.
ما هي ظروف عودتك مؤخرا لمدينة سطات؟
تلقيت دعوة من الجمعية المغربية لحماية البيئة و التنمية المستدامة و التي أمثل عضوة شرفية بها مع إبني زهير لتقديم عرض بمدينتي الأصلية بمناسبة اليوم العالمي للأرض، فما كان مني إلا أن ألبي الدعوة وذلك لوجود مجموعة من الأسباب وهي : أنه أول عرض بمدينتي و مسقط رأسي، كذا الاهتمام و الترحيب الذي لقيته من الجمعية عند إقامتي لحفلي مع المركز الثقافي الفرنسي بالبيضاء، التكريم الذي ستخصني به الجمعية في مهرجانها، بالإضافة لكونه ثاني عرض لي على صعيد التراب الوطني…
ما هي أهم المشاهد التي تغيرت بمدينة سطات؟
لاحظت أن توسع السكن بشكل سريع مقارنة بالفترات السابقة، إذ تجاوز العمران حدود الحي الذي قطنت به "قطع الشيخ"، كما أصبح هناك اكتضاض للسكان و السير و لا أنسى أن أشير لوجود تدني على مستوى الخدمات و البنيات التحتية و في نفس الوقت قلة التواصل و الحوار داخل بعض المؤسسات الإدارية بالمدينة…
كيف كان اتصالك مع الجمهور السطاتي؟
نظمت لي الجمعية المغربية لحماية البيئة و التنمية المستدامة حفلا خاصا في يومها الإختتامي للمهرجان البيئي الدولي الثالث و أهدتني في البداية جائزة رمزية تتمثل في مجموعة غنائية شبابية في وصلات غيوانية باعتبار أني انحدر من مشرع بن عبو أصل مؤسس مجموعة ناس الغيوان "المرحو العربي باطما" و كذا كون هذا الأخير ابن عمي. بالإضافة لذلك كان تجاوب الجمهور السطاتي ممتعا مع حفلي الفني إذ تقاسمنا الضحك و المعانات و المرح من خلال سرد حكايتي من سطات إلى فرنسا بطريقة "سلام" و في الأخير كرمتني الجمعية و التي أشكرها على هذه المبادرة الطيبة.
ما هي آخر كلمة تودين توجيهها لجمهورك ؟
يصعب سردي لحكايتي و ذكر آخر كلمة لي لأنه سيتطلب مني أكثر من 15 سنة على الخشبة لكني أوجه نداء إلى كل المواطنين: ساعدوا بعضكم البعض و ساعدوا المثقفين الذين لم يجدوا فرصة للتعبير عن أفكارهم و في نفس الوقت ساعدوا و مدوا يد العون للجاهل ليكون مواطنا نافعا، تضامنوا و لا تهمشوا بعضكم البعض و ثقفوا بعضكم البعض لأن القلم و الكتاب مفتاح الحياة و اختم قولي بحكمة قديمة تقول "إذا لم تكت كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك".