شيطنة المهداوي لتعميم الكمامة مجانا.. فمن ينقد يا ترى المغاربة من رداءة السوشل ميديا؟

إن بناء دولة الحق والقانون ورئاسة حقوق الإنسان دوليا، لا ينسجم مع تكميم الأفواه وتسليط سيف القضاء على كل متحدث أو منتقد أو معبر عن رأيه الشخصي اتجاه حدث أو ظاهرة، بتحريك المسطرة القضائية، إذ تعيش الساحة المغربية في الآونة الأخيرة محنة حقيقية، حيث كانت محاكمة الصحافي حميد المهداوي مجرد النقطة التي أفاضت الكأس، وجعلت هيئات إعلامية وحقوقية داخل المغرب وخارجه تعلن تضامنها معه بشكل واسع، بعدما أدانت المحكمة الابتدائية بالرباط، يوم أمس الإثنين 11 نونبر الجاري، “المهداوي” مدير نشر موقع “بديل”، بسنة ونصف حبسا نافذا، وبتعويض مدني لفائدة وزير العدل قدره 150 مليون ، في قضية توبع فيها بشكاية من وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بصك اتهام يتمثل في “بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة ومن أجل التشهير بالأشخاص، القذف، والسب العلني”، حسب الفصول 447-2 و444 و443 من مجموعة القانون الجنائي، منذ فبراير 2024.
سادتي الكرام،
بداية تحليل ومناقشة الحدث المثير للجدل، ينطلق سناه من السرعة النفاثة، التي تمت بها محاكمة الصحفي المذكور في الدعوى المرفوعة ضده من طرف وزير العدل في حكومة عزيز أخنوش والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، حيث يمكن بشكل من الأشكال اعتبارها مسألة يمكن تجاوزها، بل واعتبارها مسألة ايجابية على اعتبار أن تعجيل البث في القضايا المعروضة أمام القضاء يعد من شروط المحاكمة العادلة، التي تم التنصيص عليها في عدد من التشريعات، كما أنها كانت دوما حاضرة كمطلب أساسي ضمن مطالب الهيئات والجمعيات التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان دوليا ووطنيا.
لكن يا سادتي الكرام؛
الحكم الصادر في حق الصحافي لن أعلق عليه لعدة أسباب، أهمها احترام استقلالية القضاء من جهة، وسبب آخر موضوعي يتمثل في كون المحاكمة لم تنتهي بعد، حيث لازالت درجات أخرى في التقاضي لإثبات البراءة أو العكس من جهة ثانية، في وقت أن المؤاخذة الجوهرية أو التساؤل الذي يطرح بالمانشيط العريض هو محاكمة الصحافي بالقانون الجنائي الذي تتضمن طياته عقوبات سالبة للحرية عوض قانون الصحافة والنشر الذي يخلو منها، بعدما تم تعويض هذه العقوقبات الزجرية بالغرامات فقط، اللهم ما جاء في المادة 71 من القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر: تطبق أحكام المادتين 104 و106، إذا تضمنت إحدى المطبوعات أو المطبوعات الدورية أو إحدى الصحف الإلكترونية إساءة إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي أو تحريضا ضد الوحدة الترابية للمملكة، أو قذفا أو سبا أو مسا بالحياة الخاصة لشخص الملك أو لشخص ولي العهد أو لأعضاء الأسرة المالكة، أو إخلالا بواجب التوفير والاحترام لشخص الملك. فما علاقة المتابعة القضائية الموجهة للصحفي المدان بمحتوى هذه المواد القانون السالبة للحرية؟
سادتي الكرام؛
إن أطوار المحاكمة، التي جمعت بين وزير سياسي ينتمي الى السلطة التنفيذية ويتربع على كرسي وزارة العدل، مع صحافي مهني يدير صحيفة إلكترونية، ستمنح لا محالة فرصة مواتية لمختلف المنظمات المتربصة بالمغرب لجلده وصفعه حقوقيا، وهو الذي يرأس اليوم مجلس حقوق الإنسان بجونيف! حيث أن محاكمة “المهداوي” بالقانون الجنائي تأتي مباشرة بعد صدور عفو ملكي مهم جدا ويحمل أكثر من دلالة بالمانشيط العريض وأخرى مشفرة، على عدد من الصحفيين الذين حوكموا في ملفات مختلفة بموجب القانون الجنائي ومن ضمنهم الصحفي “رضا الطوجني” الذي حكمت عليه المحكمة بأربعة سنوات نافذة في الدعوى التي رفعها ضده نفس الوزير عبد اللطيف وهبي، في وقت لم يقضي منها إلا ستة أشهر خلف القضبان!
سادتي الكرام؛
يتضح جليا من خلال قراءة واستقراء مختلف الأحداث السالفة، أن رئيس الحكومة ووزير العدل عبد اللطيف وهبي لم يلتقطا إشارة العفو الملكي على الصحفيين بشكل جيد، حيث ما القيمة المضافة من متابعة صحافي بالقانون الجنائي على أمور وقضايا تتعلق بالصحافة والنشر، ألم يكن حريا متابعته بمدونة الصحافة والنشر؟، إلا إذا كانت هناك نوايا مقصودة لتكميم الأفواه وإخراس باقي الأصوات المنتقدة لطريقة تدبير الشأن العام.
سادتي الكرام؛
شخصيا، أحترم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، لعدة أسباب، أولها أنه قرر اللجوء إلى التقاضي بدل التصابي، في إطار مساطر قانونية واضحة، لكن أن يسقط منه سهوا أو عمدا عدم اللجوء إلى أولى المساطر الأخلاقية قبل الزجرية القانونيتين، المتمثلة في حق الرد والتوضيح، وفق المادة 115 و116 و117 من الباب الثالث للقانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، حيث كان بإمكان الوزير أن يظهر ويعكس نضجا راقيا للمستوى الحقوقي والأخلاقي عبر توجيه توضيح في موضوع المتابعة إلى الجريدة أو الصحفي المذكور، حتى إذا رفض نشرها في غضون 48 ساعة الموالية لتاريخ التوصل، فعندما يمكن الجزم بالقول أن الصحفي يستهدفه شخصيا بالقذف والتشهير وله سوء نية في الموضوع، ويحق للوزير متابعته قضائيا، فضلا على نقطة أخرى أثارت حفيظتي متمثلة في مطالبة الوزير بمليار سنتيم في التعويض المدني حفظا لكرامته، حيث أن هذا أمر لا يمكن استساغته أو فهمه، علما أن 1 درهم رمزي يمكن أن يلعب نفس أدوار المليار المطلوب في حفظ الكرامة، إن لم أكن مخطئا.
سادتي الكرام؛
شخصيا، أعتبر أن ميزان المساواة وتكافؤ الفرص بين الوزير والصحفي كان مختلا، منذ البداية، حيث أن الوزير الوهبي كمسؤول على قطاع حيوي كان حري به بتنسيق مع وزير الاتصال، توجيه بوصلته نحو عدد ممن يتم اعتبارهم “مؤثرات ومؤثرين”، الذين حولوا “السوشل ميديا” إلى ماخور لروتيني اليومي في اخلال خادش للحياء العام، لطبيعة المحتوى والمشاهد، التي يتم عرضها على مدار الساعة، دون الحديث عن المضامين الكلامية التي تقود جيلا كاملا للإفلاس الأخلاقي، بل وصلت عدواها إلى بعض المواقع الإخبارية، التي يمكن أن نقول إنها فارغة من حيث المحتوى، بسبب المحتوى او ما يعتبرونه أخبار ينشرونها، فهي إما أن تكون خاطئة، وهذا موضوع آخر يستوجب تدخل السلطات المعنية بالتصدي للأخبار الزائفة، أو أن هذا المحتوى يكون غير ذو أساس صحافي، حيث يريد أصحابه المنتسبين لصاحبة الجلالة، البحث عن “البوز” وجمع أكبر عدد من “اللايكات” والمشاركات، وعدد القراءات، عبر ملاحقة أخبار التفاهة و”الشوهة”…حيث لم يكن يعلم المفكر الإيرلندي إدموند بيرك (1729-1797) عندما أطلق لقب السلطة الرابعة على الصحافة، أنها ستصل يوما، إلى ما وصلت إليه من تقهقر على مستوى الجودة، وهنا لا نعمم، فقد عرف تاريخ المهنة أقلاما لا تنضب بعطائها الغزير، إن على المستوى العربي أو في المغرب، والأمثلة عديدة من هؤلاء الصحافيين الذين بصموا على تاريخ لا زال ينهل منه صحافيو اليوم.
فرجاء سادتي الكرام من المسؤولين أو القراء الأوفياء، لا توجهوا بوصلتكم لإخراس الأصوات المنتقدة، بقدر ما يجب تظافر جهودنا جميعا على تنظيف “السوشل ميديا” من الرداءة، سواء عبر مقاطعة متابعتها أو عبر تحريك المساطر القانونية باستغلال التشريعات القانونية المغربية المتقدمة في الموضوع.
سادتي الكرام؛
يبقى الفكر الحر عزيزا لا يساوم، كجبل شامخ تتكسر عند سفوحه سهام التكميم، ويصمد في ظلاله سمو الحقيقة رغم كل عاصفة عابرة، حيث إن الألسنة الحرة التي لم تعرف ذل الصمت، والأقلام التي لم تلطخها مجاملات العابرين، تظل شعلة أزلية تضيء عتمات السطوة، وترتقي بأرواح أجيال تاقت إلى معاني النقاء والفكر الصافي، لعلنا نصون منابرنا برقي الفكر ونبل الهدف، ونبني للأجيال القادمة أساسا لا تهزه الرياح، متشبثين بقيمٍ لا تباع ولا تخضع، لنعيد للكلمة هيبتها، فتظل شاهدة عبر الأزمنة، أن سكوب ماروك صدحت وبعثرت حروفها يوم جلد السوط السلطة الرابعة.