حين تتحول دورات المجالس الجماعية إلى حلبات للملاكمة.. السياسة المغربية تتلقى الضربة القاضية!

لم يعد المشهد السياسي المحلي في المغرب، يحتاج إلى محلل متعمق لفهم حجم الانهيار الذي يعيشه، فمشاهد العنف اللفظي والجسدي، التي باتت تميز دورات عدد من المجالس الجماعية تختصر كل شيء. ما كان يفترض أن يكون فضاءً للنقاش الديمقراطي والتدبير الرشيد للشأن العام، تحوّل إلى “حلبة ملاكمة وصراع شخصي”، تُرفع فيها الأصوات بدل المقترحات، وتتطاير فيها الكراسي بدل الأفكار.
دورات عدد من المجالس الجماعية برسم شهر أكتوبر الجاري، تحولت إلى حلبات ملاكمة سياسية، أكثر منها فضاءات للنقاش والتدبير. فبدل أن تكون هذه الاجتماعات فرصة لطرح هموم المواطنين ومناقشة سبل التنمية المحلية، أصبحت مناسبة لاستعراض العضلات ورفع الأصوات وتبادل الاتهامات، وكأن الهدف لم يعد خدمة الصالح العام، بل كسب نقاط انتخابية مسبقة، على مقربة من الاستحقاقات المقبلة.
سادتي الكرام؛
إنه مشهد يُلخّص انزلاق العمل الجماعي من ميدان المسؤولية إلى مسرح الشعبوية، حيث تتوارى الملفات الحقيقية خلف دخان المزايدات، وتُستبدل لغة الأرقام والبرامج بلغة الصراخ والتراشق الكلامي، في عرضٍ هزليّ يسيء إلى صورة المنتخبين وإلى الثقة في المؤسسات المحلية.
إن ما تابعناه من مقاطع الفيديو، المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ليس سوى صورة مكثفة لانحطاط الممارسة السياسية المحلية، حين يفقد المنتخب إحساسه بالمسؤولية تجاه المواطن، ويتعامل مع المؤسسة المنتخبة كغنيمة أو مجال لتصفية الحسابات. ومع غياب الردع والمساءلة، تتكرّر المشاهد نفسها في مدن وقرى مختلفة، وكأنها أصبحت جزءًا من “العادات السياسية” الجديدة.
سادتي الكرام؛
الخطير في الأمر أن هذه السلوكات تقوّض الثقة المتبقية في المؤسسات المنتخبة، وتزرع في وعي المواطن شعورًا بالعزوف واللامبالاة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعبئة جماعية لمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية خانقة. إن تهاوي صورة المجالس المحلية يعني، في العمق، تآكل فكرة السياسة ذاتها، كآلية للحوار والتدبير الجماعي، وتحويلها إلى مسرح عبثي يسيء إلى هيبة الدولة ومفهوم الديمقراطية التشاركية.
صدقا سادتي الكرام؛
لقد آن الأوان لمراجعة شاملة، تبدأ بتفعيل المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتمرّ عبر تأهيل النخب المحلية وإعادة الاعتبار للأخلاق السياسية، لأن الديمقراطية لا تُقاس بعدد الصناديق ولا بعدد الدورات، بل بنوعية النقاش العمومي ومدى خدمة المصلحة العامة. أما الاستمرار في هذا الانحدار، فمعناه ببساطة أننا نعيش انهيارًا سياسيًا بطيئًا من الداخل، يهدد كل ما تحقق من تراكمات ديمقراطية، ويفتح الباب واسعًا أمام اللامعنى والعبث.