مأسسة التحالفات الحكومية وتأثيرها على الدينامية السياسية والتنموية بإقليم سطات

في قراءة متأنية للمشهد السياسي المحلي بإقليم سطات، يبرز بشكل جلي أثر الممارسة الحزبية في بعدها المرتبط بتشكيل التحالفات داخل الجماعات الترابية، وما يترتب عن ذلك من تحولات على مستوى آليات التدبير والتموقع المؤسساتي.
فالملاحظ، من خلال بعض التجارب القائمة، أن عدداً من التحالفات التي أفرزت مجالس جماعية بالإقليم، لم تُبنَ على توافقات محلية أو هندسة انتخابية تعكس موازين القوى الفعلية داخل المجال الترابي، بل تم الحسم فيها خارج الرقعة الجغرافية للإقليم، وتحديداً في مراكز القرار الحزبي على الصعيد الوطني، وفق ترتيبات مسبقة أملتها اعتبارات ظرفية أو توازنات عامة.
هذا النمط من التحالفات، الذي يمكن تسميته بـ “التحالفات المُمأسسة”، لا يخلو من آثار مباشرة وغير مباشرة على منسوب الفعالية الديمقراطية محليًا، وله من التداعيات الإيجابية والسلبية التي تستدعي قراءة متأنية من مختلف الزوايا، حيث يتم تغييب الإرادة المحلية الفعلية للمنتخبين، بل ويتم أحيانًا فرض معادلات لا تملك الحد الأدنى من الانسجام البرنامجي أو التقائي الرؤى التدبيرية.
وتُعد عملية تجييش منتخبي الشاوية ودكالة لانتخاب عمدة البيضاء نبيلة الرميلة عن حزب التجمع الوطني للأحرار على رأس مجموعة الجماعات الترابية الدار البيضاء سطات للتوزيع، مثالاً دالاً في هذا السياق؛ حيث جرى تشكيل المكتب المسير بناءً على ترتيبات تم انزالها بالمنطاد من مراكز القرار الحزبية، في وقت تم نسج خيوطها في فضاءات بعيدة عن هموم الساكنة المحلية، الأمر الذي انعكس، وفق مؤشرات متعددة، على تشكيلة ومكونات المجلس المذكور وما لذلك من تداعيات على أدائه سواء من حيث وتيرة الإنجاز أو جودة القرارات المتخذة.
مباشرة بعد هذه المحطة، عادت قيادات الأحزاب الحكومية لتقوم بإنزالها قصد تشكيل المجلس الجماعي لمدينة سطات، الذي أفرز لأول مرة في تاريخ مجالس جماعة سطات، قيادة بنون النسوة متمثلة في الأستاذة ندية فضمي عن حزب الاستقلال، غير أن الظروف المحيطة بتشكيل المجلس أملت على الأحزاب المشاركة في تحالف سطات بعض المكونات التي لم تكون يوما داخل الحسابات، وأخرى سرعان ما أعلنت تمردها، ما جعل المجموعة المعينة لا يمكن أن تشكل محط انسجام مطلق، الشيء الذي إن نجح في الوهلة الأولى امام عدسات الكاميرا، سرعان ما بزغت ثنايا شروده عبر مباشرة مناورات منها ماهو معلن وآخر من تحت الطاولة، حيث وصل صداها لردهات المحاكم.
اليوم نحن أمام محطة جديدة بعاصمة امزاب مدينة بن احمد، حيث بوادر عملية تنزيل التحالف الحكومي لقيادة نسوية عن حزب الأصالة والمعاصرة، في انتظار صدور بلاغ أو بيان رسمي على غرار ما وقع بسطات، ما يمكن أن نستنبط منه ان القيادة الحكومية باتت بشكل أو آخر تحمل في جعبتها مفاتيح تشكيل المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية، لتوزيعها وفق خريطة سياسية مدروسة ومرصوصة، تطوق ظهور أي تحالف هجين خارج أسوار التحالف الحكومي.
إن مأسسة التحالفات الحكومية وتأثير اسقاطاتها على الدينامية السياسية والتنموية بإقليم سطات، يمكن أن يكون له بعد إيجابي إذا ما توفرت الإرادة المركزية للأحزاب قصد دعم ممثليها، الذي يتم انتقائهم على رأس الجماعات أو الأقاليم عبر فتح صنابير الدعم والاستثمار العمومي، قصد إنجاح تجاربهم المحلية وجعلها قلع لبداية أجرأة التغيير التنموي وتنزيل الفعل السياسي الممأسس، في وقت إن كان ينظر لممثلي التحالفات الحزبية بالجماعات كأرقام إحصائية فقط لدى سرد الانتشار على الخريطة السياسية، فإن ذلك سيعصف لا محالة بالديموقراطية والتنمية المحلية، ويجعل عقارب ساعة التحالفات قابلة للدوران وفق منطق المال والقبلية والشيكات الانتخابية وترحيل إن لم نقل اختطاف الفعاليات السياسية في انتظار موعد الاستحقاق الرسمي…
إن سؤال الديمقراطية المحلية هنا لا يقتصر على شروط الانتخاب والتصويت، بل يتجاوزهما إلى منطق الفعل المؤسساتي، وإلى مدى احترام الخصوصية المحلية، في بناء التحالفات وصياغة الأجندات الجماعية، فالهيئات المنتخبة، في بعدها المجالي، تظل مطالبة بتكييف قراراتها مع الواقع المحلي، لا باستنساخ مخرجات مركزية لا تراعي المعطيات الترابية الدقيقة، ولا تراعي مخرجات الفئة الناخبة محليا.
كما أن التنمية، في ارتباطها بالسياسة، لا يمكن أن تُختزل في مجرد حضور شكلي للمجالس، بل تتطلب انسجامًا حقيقيًا بين مكونات التسيير، قائمًا على تعاقد سياسي محلي يستند إلى مشروع جماعي، لا إلى توازنات فوقية لا تجد ترجمتها الواقعية في الميدان.
ختامًا، يبقى الرهان الأكبر في إقليم سطات – كما في غيره من الأقاليم – هو الانتقال من منطق تدبير التوافقات نحو منطق تدبير الالتزامات، ومن سياسة إنتاج المكاتب إلى سياسة إنتاج الأثر التنموي الملموس، تحت سقف المصلحة العامة، وفي إطار احترام الإرادة المحلية التي لا تريد إلا التنمية الملموسة ولا شيء غير ذلك.