عبقرية ممثلي أم الوزارات.. أسمعُ جَعْجَعَة ولا أرى طحنًا

في كل الأحداث العادية التي سرعان ما تتحول إلى “بوز”، يسرق خلالها بعضهم الأضواء، فيتحولون إلى نجوم وسط عتمة الظلام، يحظون بما جاد من الثناء والمدح، أو يتحولون إلى طبل صالح للجلد من هنا وهناك، لكن بين هذا وذاك، يطرح التساؤل: لمصلحة من يا ترى؟ فلا أحد يمكنه أن يتوقع حجم الجلبة أو يترقب مخرجاتها، اللهم ما يقفون خلفها إيجابا أو سلبا.
صدقا يا سادة؛
جيل اليوم من المسؤولين محظوظ جدا، لكنه لا يقدر الفرصة الذهبية الممنوحة له بفضل شبكات التواصل الاجتماعي التي يمكنها أن تجعل منهم نجوما فوق العادة، بتدخلاتهم الرصينة والموزونة، أو يمكن أن تحولهم إلى طرائد قابلة للاستهداف اليسير من طرف قناصة، يوجهون عدسات هواتفهم في انتظار اللحظة الحاسمة والفارقة لزلاتهم، التي لا تقبل الاجتهاد الفردي أو التهاون، حيث تكفي كبسة زر لتجعلهم على “الترند” العالمي.
هنا نأتي على حدثي الواليان لذبح أضحية العيد، الذي ربما ليس مرده الرغبة في عصيان التوجيهات الملكية، بل فقط تلك الرغبة التي أصبحت تراود بعض رجال السلطة في تصدر المشهد بتصريحات أو بافتعال حوادث لإثارة الانتباه والإعجاب، وهنا مناسبة نستبيح من خلالها قرائنا لكي نقول، إن رجل السلطة ليس مطلوبا منه أن ينافس المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، فرجل السلطة مطلوب منه الصرامة والهيبة واحترام القانون والعمل بعيدا عن الأضواء.
سادتي الكرام؛
من يحتاجون الأضواء يا سادة، هم المنتخبون الذين تنتظرهم صناديق الاقتراع لمحاولة استمالة الأصوات الانتخابية، أما رجال السلطة فهم معينون وليسوا بحاجة إلى بريق الأضواء لجر خميس من المصورين ورائهم، أينما حلوا وارتحلوا لتنزيل اختصاصاتهم، حيث مع تواتر بعض الحوادث والمشاهد والمواقف التي كان أبطالها رجال سلطة، نحتاج أن نطرح سؤالا بسيطا هو: هل هناك “مفهوم جديد للسلطة” أصبح ساريا ولم ننتبه إليه؟
نطرح هذا السؤال البريء، لأننا بدأنا نلاحظ كيف بدأت تتسلل إلى معجم السلطة مفاهيم وسلوكيات دخيلة، ابتدعها بعض رجال السلطة في غفلة من الجميع، منها العامل الذي لا يفطر صباحا إلا بحليب الماعز والنوق، وعامل آخر لا يعرف الاشتغال إلا بـطائرة بدون طيار “الدرون” وتوفير لوحات إلكترونية وحواسيب لطاقم من مرافقيه ينتقل معه أينما حل وارتحل، والتي يفرض بطريقة أو أخرى أن تدفع تكاليفها من مالية الجماعات المنتمية لنفوذ تدبيره، مع ما يمكن أن يرافق ذلك من تداعيات المحاسبة من الجهات المختصة، وآخر تفتقت عبقريته، للكشف أنه لا يعرف الاشتغال إلا بحضور شركات التنمية المحلية، مع ما يرافقها من تبدير للمال العام في تسديد أموال بالملايين على شكل رواتب شهرية لمديريها والطاقم المشتغل معه، بينما هذه التجربة برهنت بما لا يدع مجالا للشك، في فشلها داخل العديد من مدن المملكة، بل فرقت بين تماسك منتخبي أغلبيات جماعات أخرى، في وقت منها من أوصلت منتخبين إلى النيابة العامة للتحقيق في جرائم مالية…
سادتي الكرام؛
أم الوزارات، باتت ملزمة بضرورة التدخل لوضع حد لعدد من البدع، التي يحاول أصحابها سرقة “البوز” عمدا أو تأتي بعفوية دون قصد وبحسن نية للمساهمة في تصويب الأمور، حيث أن جر مصورين لتوثيق عدد من التدخلات لتنزيل القانون أو تصحيح أوضاع عشوائية أو غير قانونية (إغلاق محلات غير مرخصة، تحرير الملك العام، حجز مواد غير صالحة للاستهلاك، وقف البناء العشوائي، حجز الدواب والكلاب الشاردة، محاربة الفراشة…)، هو اعتراف ضمني أن ما يقومون به في الواقع يوثق إما إهمالهم وتغاضيهم عن تطبيق القانون، أو إهمال من سبقوهم على تدبير نفس المناصب في أوقات سابقة، وفي كلتا الحالتين، ربما هذه السلوكيات مجانبة للصواب، لأنها تكشف زلات منثلي الداخلية في أجرأة القانون ميدانيا، إذ لو أنه تم تطبيق القانون من الأول لما كان هناك شيء اسمه مخالفة القانون أو تصحيح الوضع أو تسوية وضع قائم، وذلك وفق المثل العربي المأثور، الذي قاله الأصمعي: “أسمعُ جَعْجَعَة ولا أرى طحنًا”.