تحليل الإصلاح بسطات.. المجلس البلدي بين مطرقة الانتقادات السريعة وسندان الإكراهات البنيوية

تحليل الإصلاح بسطات.. المجلس البلدي بين مطرقة الانتقادات السريعة وسندان الإكراهات البنيوية

تخضع العمليات الإصلاحية في المجتمعات المحلية لمعادلة معقدة تتداخل فيها الأبعاد الزمنية، الاقتصادية، والسيكولوجية، مما يجعل أي مشروع حضري عرضة للتأويلات والانتقادات السريعة، خصوصاً في بيئات تعاني من فجوة بين منطق الفعل المؤسسي وإيقاع التوقعات المجتمعية، دون الحديث عن توظيف النقد الهدام بهدف الريع السياسي.

مدينة سطات تمثل نموذجاً دقيقاً لهذه الدينامية، حيث يبدو أن أي محاولة للإصلاح لا تمر دون موجة انتقادات حادة وسريعة، وكأن صبر المواطن قد استُنزف قبل أن يبدأ المشروع فعلياً في إنتاج أثره.

سادتي الكرام؛

إن بداية أشغال إصلاح وترميم الحفر ببعض الشوارع والأزقة المتضررة بسطات، في إطار تنفيذ سند طلب استعجالي الذي تم إبرامه عن طريق سند الطلب رقم 02/2025 بتاريخ 23 يناير 2025، حيث شارك في المنافسة لنيلها ست شركات على الصعيد الوطني، أسفرت مخرجاتها على إسناد العملية إلى شركة خاصة بمبلغ 335.580,00 درهم، في انتظار تنفيذ وأجراة اتفاقية الشراكة التي صادق عليها مؤخرا كل من مجلس جماعة سطات ومجلس جهة الدار البيضاء سطات بمبلغ إجمالي يبلغ 50.000.000,00 درهم، لإصلاح مختلف المقاطع الطرقية لشوارع سطات.، غير أن هذا العمل الإصلاحي رافقه موجة من استهجان وصل إلى انتقادات لاذعة، نتيجة صدام بين الزمن المؤسسي والزمن الاجتماعي، فالأول يرتبط بسلسلة معقدة من الدراسات، الموافقات، التمويلات، والإجراءات القانونية، بينما الثاني مشحون بعجلة الانتظار والرغبة في رؤية نتائج فورية.

سادتي؛

هذا التفاوت الزمني يغذي ظاهرة ما يعرف في علم النفس الاجتماعي بـ”انحياز الحاضر”، وهو ميل المواطن لتفضيل المكاسب الفورية على الاستثمارات بعيدة الأمد حتى وإن كانت أكثر نفعاً، وهو ما يجعل المواطن السطاتي ينظر إلى الإصلاحات التي تحتاج لوقت على أنها نوع من التقاعس أو الفشل الإداري، خاصة في ظل تدخل فعاليات سياسية اعتادت الصيد في الماء العكر، عبر التشويش تارة أو تغليط الرأي العام تارة أخرى، بهرطقات مجانبة للصواب والحقيقة.

لكن هذه الظاهرة لا ترتبط فقط بالزمن، بل تمتد إلى البنية الاجتماعية النفسية والسياسية، حيث يشكل الانتقاد السريع آلية تفريغ نفسي للساكنة، التي تجد نفسها في حالة من الترقب والقلق إزاء مصيرها التنموي، وهو ما يعزز ظهور “التفريغ الجمعي”، إذ يتحول الفضاء العام إلى ساحة للتذمر أكثر منه منصة للنقاش البنّاء.

سادتي الكرام؛

تصبح وسائل التواصل الاجتماعي مسرحاً مركزياً لهذه الظاهرة، حيث تضاعف سرعة انتشار الآراء وتخلق انطباعات جماهيرية قد لا تعكس الواقع بشكل دقيق، لكنها تؤثر بشكل مباشر على الرأي العام وصورة الفاعلين المحليين. هنا يكمن التحدي الأكبر، حيث يجد المجلس الجماعي لسطات نفسه بين مطرقة الانتقادات وسندان الإكراهات البنيوية، التي تتطلب وقتاً وصبراً. الإصلاح الحضري بطبيعته عملية تراكمية، لا تنتج آثارها بشكل لحظي، بل تحتاج إلى بنية صلبة وخطط طويلة الأمد، غير أن جزءاً من الساكنة يتعامل مع هذه العمليات بمنطق استهلاكي، يقيس نجاحها وفق منطق النتائج الفورية.

ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل أن جزءاً من هذه الانتقادات يعكس فقدان الثقة المؤسساتية التي تراكمت عبر تجارب سابقة لم تثمر عن نتائج ملموسة، مما جعل أي مشروع جديد يدخل دائرة الشك، قبل أن يمنح فرصة التقييم العادل. وفي المقابل، يبقى على الفاعل المحلي أن يدرك أن الإصلاح ليس فعلاً تقنياً محضاً، بل هو كذلك فعل تواصلي، يتطلب استراتيجية تواصلية قادرة على شرح المراحل، توضيح الإكراهات، وبناء جسور الثقة مع الساكنة، وبذلك فقط يمكن تقليص فجوة الفهم بين منطق القرار ومنطق الانتظار، وتحويل الانتقاد من أداة هدم إلى طاقة ضغط إيجابية تدفع بعجلة الإصلاح نحو الأمام.

سادتي الكرام؛

في النهاية، الإصلاح الحضري ليس فقط صراعاً مع الزمن والإجراءات، بل هو معركة في الوعي الجمعي، تحتاج إلى قدرة على التوازن بين الصبر الاستراتيجي والاستجابة لمطالب المواطنين دون الوقوع في فخ الاستعجال، الذي قد ينسف جودة النتائج.

سطات اليوم لا تحتاج فقط إلى إصلاح بنياتها التحتية، بل إلى إعادة بناء الثقة بين صانع القرار والساكنة، ثقة مبنية على الشفافية، التواصل الفعّال، والإشراك الحقيقي للمواطن في فهم تعقيدات الفعل الإصلاحي.