أما حان أن نذيب صخرة الحزن على عروس الشاوية؟

أما حان أن نذيب صخرة الحزن على عروس الشاوية؟

بقدر ما كانت تداعيات معمل السمك قاسية على من تبقى فيه ضمير حي بمدينة سطات، بالقدر نفسه كانت مناسبة لتسليط الضوء على العديد من الأعطاب بمدينة سطات التي يمكن تلخيصها بكلمة “السيبة” أو بطريقة أخرى “مهادنة الفساد” على مختلف معانيها اللغوية والاصطلاحية، حيث أظهر عدم توفر المعمل المذكور على رخصة ممارسة النشاط على غرار مشاريع أخرى سابقة، الكثير من الفشل في تدبير ما هو اقتصادي، حيث لم تستطع أو عكفت الدولة من خلال تمثيلية مؤسساتها المنتخبة والمعينة بمدينة سطات عن فرض القانون عبر دبلجة حلول تحت يافطة “تشجيع الاستثمار” وصولا إلى يافطة “تسوية الوضعية” لفائدة محظوظين، في وقت تجد نفس الهيئات لا تتردد في أجرأة القانون وربما اختلاق اجتهادات مسطرية على آخرين ممن يمكن اعتبارهم “مواطنين عاديين”.

المعطى الأول، الذي يمكن استخلاصه من النازلة، هو الصمت المريب لآلاف المواطنين المتضررين بشكل مباشر، ممن تبيّن أنهم بمثابة الحطب السياسي للعديد من الأحزاب، ومُجرد أرقام بالنسبة للسلطة، في وقت خرج منهم قلة قليلة دونت احتجاجها بشكل عفوي حضاري في عارضة وجدت طريقها إلى مكاتب مختلف مسؤولي المدينة، ما جعلهم يصحون من مسرحياتهم التي يتحدثون عنها في قاعات اجتماعهم ويلوكونها مع أكواب الشاي والتهام الحلوى المدفوع أجرها من المال العمومي، حيث تُعقد من أجلها جلسات طويلة من التنظير والتهام الكلمات المبتذلة، ليخرجوا في لجن مسترسلة، ظاهرها التفاعل مع شكاية المواطنين وباطنها إيجاد حل سريع لتسوية الوضعية القانونية للمستثمر.

المعطى الثاني اقتصادي محض، حيث في الوقت الذي تجند فيه المجلس البلدي لسطات بمعية مجلس الجهة الدار البيضاء سطات وعدد من القطاعات الوزارية، لأجرأة خلق نموذج تنموي في المنطقة الصناعية لسطات، انطلاقا من تسوية وعائها العقاري وتهيئة بنيتها التحتية لتحويلها إلى عنصر جذب للاستثمار، سهر آخرون على تعبيد الطريق لما اعتبروه “استثمار” على عواهنه وفق أهواء صاحبه وزمرته، وهو ما جعل معامل ومصانع الجوار تدق ناقوس الخطر حول ما يمكن اعتباره لغم بطعم “الخنز” يمكن أن يشكل بمعية “مصنع الشينوا” للأغطية عناصر طرد للمستثمرين والاستثمارات وينسفون كل المجهودات السالفة ماليا ومسطريا، ويعري في نفس الوقت على حقيقة فوضى لا أحد اهتم بها أو ربما تم التغاضي عنها تحت تأثير مفعول “الفيطو” الذي بات يتحكم في دواليب الحياة بعروس الشاوية.

المعطى الثالث سياسي، حيث ظهر المجلس البلدي لسطات بجميع مكوناته الحزبية أغلبية ومعارضة، مثل تلميذ متفرج خائب ينتظر تلقينه دروس الدعم ليعرف اختصاصاته السياسية قبل التدبيرية، وهو ما نهلت عليه مختلف الدكاكين السياسية غير ممثلة داخل المجلس الجماعي لسطات، بعدما لزموا الصمت دون أي ردة فعل أو تصريح ولو إنساني يعري الواقع المرير الذي تعيشه مدينة سطات رغم أنه محور حديثهم اليومي داخل مجالسهم بالمقاهي، في ازدراء مُفزع لمواطني سطات عامة، وفي جهل فضيع لدورهم الدستوري والحزبي السياسي.

المعطى الرابع مدني، حيث أن ما تعيشه مدينة سطات من مظاهر السيبة على اختلاف تلويناتها وتجلياتها، أظهرت أن الرصيد السياسي للأحزاب انتهى، وهو جبن سياسي يصعب أن يُغتفر، في وقت أن المجتمع المدني الذي ربما من أدواره أنه رافعة لتقويم وتوجيه بوصلة التدبير السليم، بات محكوم عليه الظهور إبان توزيع كعكة المال العام “المنح السنوية” للدعم الجماعي، في وقت أن ما تبقى من ممثلي صاحبة الجلالة تفرغ للنبش في أغوار القرى عن أحداث ربما تجلب له كما هائلا من المشاهدات و”الجيمات” تحت يافطة “الطوندونس” أو البحث عن “البوز”.

ولكيلا أطيل على قرائي الأوفياء، سأكتفي بالختم بما جاد به ملكنا محمد السادس نصره الله وأيده، في خطابه بمناسبة الذكرى الـ 18 لاعتلائه عرش البلاد، حينما أكد: “وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات وإجراء الانتخابات وتعيين الحكومة والوزراء والولاة والعمال والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في واد والشعب وهمومه في واد آخر؟”.

الحقيقية المرَّة، أن مدينة سطات تعيش على وقع مهادنة غير مسبوقة مع الفساد على كل المستويات وخنوع غير مشروط لمنتخبيها ومسؤوليها، والأسئلة حارقة لمن تبقى له ضمير حي بتراب هذه المدينة العزيزة، لكنها تعكس حد الملل لكون الرصيد لعدد من مسؤولي المدينة، انتهى!

على سبيل الختم، لقد آن الأوان أن نتصالح مع ذواتنا أولا ومع مواطنينا ونلعب “على المكشوف” إن نحن أردنا فعلا أن نجعل من “العملاق المخيف” مجرد جبل جليدي ينصهر أمام أعيننا بكل هدوء.