السياسة لا تُمارَس بالأريحية.. ومن ضاق صدره من الصرامة، فليبحث له عن دكان

السياسة لا تُمارَس بالأريحية.. ومن ضاق صدره من الصرامة، فليبحث له عن دكان

بقلم: الأستاذ معاذ فاروق

في فضاء سياسي يُهيمن عليه الارتجال، وتسود فيه منطقية “الاقتحام الظرفي” للمجال العام، يبرز التوجه المحلي والإقليمي لحزب الأمل بسطات كتجربة معرفية نادرة، تؤسّس فعلها السياسي على رؤية أنطولوجية تُعيد تعريف العمل الحزبي من كونه وسيلةً للتموقع الظرفي، إلى كونه سيرورة متكاملة ذات بعد وجودي، أخلاقي، ومجتمعي.

إن المدخل الأساسي لفهم التمايز الجوهري في هذا المشروع يكمن في تفكيك البنية المرجعية التي يستمد منها شرعيته وفعاليته. فلا يتعلق الأمر بمجرد تنظيم حزبي يُعيد إنتاج القوالب الكلاسيكية للتدبير السياسي، بل بمشروع يعيد بناء المعنى السياسي ذاته، انطلاقًا من قناعة محورية: السياسة لا تُمارس بوصفها نشاطًا موسميًا، بل باعتبارها التزامًا يوميًا نابعًا من وعي بنيوي بطبيعة التحولات المجتمعية والتاريخية.

لقد تأسس حزب الأمل بسطات محليًا وإقليميًا على رؤية تراكمية، تستند إلى تفكيك الفرضيات المتآكلة في المنظومة الحزبية التقليدية، وعلى إيمان عميق بأن ممارسة السياسة ليست انعكاسًا لحالة طارئة أو تعبيرًا عن انفعال جماعي مؤقت، بل هي عملية إنتاج مستمر للمعنى، تستوجب منهجية دقيقة في التفكير، وانخراطًا نقديًا مستمرًا في آليات التفاعل مع المجتمع، لا في مواسم الاستحقاقات فقط، بل في كل تفاصيل الحياة العامة.

إن هذا التوجه لا يمكن فهمه من داخل الأدوات التحليلية السطحية، التي اختزلت السياسة في مخرجات انتخابية أو تحالفات براغماتية. بل لا بد من استحضار مفاهيم مركزية من علوم السياسة والاجتماع، كـ”الرأسمال الرمزي” و”المشروع العضوي” و”الشرعية القيمية”، لفهم أن الفاعل السياسي الذي يبنيه حزب الأمل هو بالضرورة فاعل يمتلك وعيًا تاريخيًا، ورؤية منهجية، وقدرة على مقاومة إغراءات التموقع السريع والانخراط في دائرة الاستهلاك السياسي السهل.

إن استمرارية الأفراد داخل هذا المشروع، لم تُترك لتقييم الولاء أو الامتثال، بل لمدى قدرتهم على استيعاب هذه البنية المفاهيمية. فكل من أدرك أن الانتماء لهذا الكيان السياسي يستلزم تفكيك الذات وإعادة تركيبها وعيًا ومسؤولية، كان بالضرورة جزءًا من دينامية التغيير. وكل من لم يفهم هذه المعادلة، أو ظن أن السياسة مجرد روتين علاقاتي، ظل حبيس قوقعته، يتخبط في مفاهيم مشوهة لا تسعفه في فهم اللحظة ولا في تمثل المستقبل.

إننا في حزب الأمل لا نراهن على العواطف أو الشعارات، بل على وضوح المنهج وصرامة التحليل. ولهذا فإن المشروع، كما صُمّم، لا يملك متسعًا لمن يبحث عن موقع، بل لمن يمتلك سؤالًا وجوديًا: ماذا تعني السياسة حقًا في مجتمعٍ متحول؟ وكيف يمكننا استعادتها كأداة عقلانية للتوجيه المجتمعي لا كأداة انتهازية للتموقع الفردي؟

هذه ليست دعوة للاصطفاف، بل إعلان لميلاد نمط جديد من الاشتغال السياسي، تتداخل فيه المعرفة بالواقع مع نقد البنية السائدة، ويعلو فيه منطق الخدمة العامة على منطق الغنيمة السياسية. ولهذا فقط، نقول بكل يقين: من فهم المشروع استمر، ومن لم يفهم، فمشكلته معرفية قبل أن تكون تنظيمية، وموقعه الطبيعي هو هامش الحدث لا مركزه.