ربورطاج: الدكتور بلوردة يدق ناقوس الخطر بلغة العلم حول الماء في جهة البيضاء سطات.. أزمة العطش قادمة لا محال

أظهر دراسات وبحوث جامعية أنجزها الدكتور يوسف بلوردة توقعات غير سارة على مستوى الحصيلة المائية بمنطقة الشاوية ودكالة الطبيعيتين والتي إدماجهما تحت تسمية جهة الدار البيضاء سطات إداريا من قبيل: انخفاض كميات التساقطات بنسبة بمعدل يصل 0,7 وتقلص عدد أيام التساقط من ثلاثة أشهر في فصل الشتاء إلى أقل من شهر لصالح زيادة أيام فصل الصيف ثم فصل الخريف، وزيادة معدلات التبخر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في العقدين القادمين بمعدل يصل إلى 0,3، كل هذا سيزيد من ندرة المياه، وازدياد وضع المياه إلحاحا مع النمو السكاني في سياق التغيرات المناخية المتوقعة، وتأثير ذلك على الحصة المائية للفرد والتي انخفضت من 700 متر مكعب لكل فرد سنويا سنة 2010، إلى 500 متر مكعب سنويا في 2020، وإلى أقل من 300 سنة 2030، مع وجود تفاوتات بين أقاليم الجهة، حيث سيتكون إقليم سطات الأقل تضررا رغم حصة الفرد المتدنية التي تصل أقل من 200 متر مكعب سنويا في 2016 على اعتبار أن الوثيرة المرتفعة للتزايد السكاني لإقليمي البيضاء والجديدة مقارنة مع اقليم سطات سيكون له الحسم في خفض حصة الفرد إلى معدلات تحت عتبة الفقر المائي التي تصل 500 متر مكعب لكل فرد سنويا مع محدودية الموارد المائية وتنوع استعمالاتها سواء في القطاع الفلاحي الذي يحظى بالأولوية أو الاستعمالات المنزلية التي تصنف في المرتبة الثانية ثم الصناعة التي تحتل المرتبة الثالثة.
إذا ما أضفنا لكل هذه المؤشرات السابقة وطأة المناخ وتغايرته على مستوى المقياس الزمني السنوي والفصلي فإن الموارد المائية المتوفرة بجهة البيضاء سطات غير كافية في ظل تعداد سكاني يصل إلى 6ملايين و800 الف شخص لهم طلباتهم المائية الشخصية والقطاعية اقتصاديا.
ومن الواضح أن هذه الدراسات العلمية دقت ناقوس الخطر باجتياح أزمة مياه حادة بجهة البيضاء سطات مما سوف ينعكس على الإمدادات الغذائية وينعكس سلبا على الإنتاج الصناعي ويهدد المواطنين بالعطش. مما يجعل القيمون على هذه النتائج العلمية يتخوفون من هذا المأزق التاريخي الذي بدأت تداعياته تواجهها أكبر جهة في المغرب والقلب النابض له.
من هنا وجب العمل بمنطق استراتيجي على تدبير وإدارة الموارد المائية المتاحة بمنطق الاستدامة، ويبقى السياسيون أصحاب قرار الحسم لتحديد الخيارات الاستراتيجية في منهجية تدبير وإدارة الماء لأن الباحثين والخبراء يبقى دورهم استشاري واقتراحي مع العلم أن مختلف الثورات على السلطان التي شهدها التاريخ السياسي لجهة البيضاء سطات بتسميتها الحديثة في الغالب ما ارتبطت بسنوات "الجفاف" و"العطش" و"الجوع".
مؤهلات مائية متاحة محدودة في طور النضوب
تعتبر الموارد المائية ضعيفة بسبب الطبيعة الهيدروجيولوجية، إلا أن المنطقة تتميز بوجود حوضين مائيين متفرقين وكبيرين: الأول هو الحوض المائي للشاوية مع الفرشة المائية لمدينة برشيد، التي تمتد على مساحة 1500 كلم مربع جنوب مدينة الدار البيضاء، والفرشة المائية الساحلية الممتدة على مساحة 1250 كلم مربع على الساحل، بينما الثاني هو الحوض المائي أم الربيع ذو الفرشة الباطنية الرئيسية Turorienالممتدة على مساحة 1000 كلم مربع وتعرف عجزا يقدر بحوالي 21 مليون متر مكعب في السنة، وفرشة خميسات الشاوية التي تمتد على مساحة 800 كلم مربع تقريبا.
فيما يتعلق بالمياه السطحية ، هناك المورد الرئيسي داخل الجهة متمثلا في واد أم الربيع الذي يشكل الحد الجنوبي لإقليم سطات ويشق الجهة إلى حدود مصبه ساحليا بآزمور كفاصل طبيعي بين منطقة الشاوية ودكالة، والذي شيدت عليه أربعة سدود هي: سد المسيرة بقدرة ملأ تبلغ 2.800.000.000 متر مكعب، سد الدورات بقدرة 26.000.000 متر مكعب، سد إمفوت بقدرة 25.000.000 متر مكعب وسد سيدي معاشو. بالإضافة إلى عدة سدود أنجزت بالمنطقة من قبيل سد تامدروست و سد الفقرة و سد بوكركوح وهذه السدود لها أثر فلاحي وآخر سياحي.
بينما المورد المائي الدي يحضى بالوصافة هو واد المالح والذي يفصل حول أبي رقراق عن حوض الشاوية والذي يتخذ غرب المحمدية مصب له فيما يسمى بولجة المحمدية، حيث يتغدى من بعض الشعاب أهمها واد تاملالت وواد حصار ، ويصل صبيبه القصوي 1154 متر مكعب في الثانية والذي تم تسجيله سنة 2002، بالإضافة إلى عدة سدود أنجزت عليه من قبيل سد الحصار، سد المالح، سد تامسنا، سد لعريشة، سد زمرين.
هذا وتتوفر جهة البيضاء سطات على مجاري أخرى لكنها تبقى أقل أهمية سواء من حيث الجريان أو الصبيب من قبيل واد النفيفيخ، الحيمر، مازر، تمدروست، علي مومن، مرزك، بوسكورة…
الموارد المائية بالجهة وصراع الأولويات الإستهلاكية يخرج المواطنين في مسيرات العطش
ما يقارب 25 بالمائة من الموارد المائية بجهة البيضاء سطات تتجه نحو الإستهلاك المنزلي بالمجالات الحضرية للجهة وهذه النسبة قابلة للإرتفاع في أوقات الدروة فصل " الصيف " وكذلك مع الزيادة في تعداد السكان كل سنة والتي تعد أكثر كثافة بإقليم البيضاء أولا والجديدة ثانيا وسطات ثالثا، ولأن مياه الشرب تعد مادة أساسية لعيش السكان بمناطق تقع في رقعة جغرافية تتسم بمناخ شبه جاف إلى جاف يمتد فيها شهر الصيف على أزيد من أربعة أشهر على اعتبار تراجع عدد شهور فصل الشتاء لصالح فصل الصيف والخريف.
تعتبر حاجيات المجال الحضري للماء جد ملحة و ذات أولوية مقارنة مع المجال القروي إذن تزويد المدن بالماء الصالح للشرب يبقى اكبر من تزويد القرى بالماء الموجه للري. لكن هذه المنطق لا يتم تفعيله على اعتبار توجيه حوالي 50 بالمائة من الموارد المائية إلى القطاع الفلاحي بتسخيره لسقي الزراعات المعتمدة على الأشجار المثمرة و قليل من الزراعات الموسمية كالذرة أو الخضروات والأعلاف….. و تؤدي هذه الأولوية إلى انخفاض مستوى المياه في السدود و الفرشات المائية، و يتفاقم تعقيد سياسة التوزيع المائية بتوجيه الجزء المتبقي من الموارد المائية أي حوالي 25 بالمائة إلى الصناعة والسياحة، الشيء الذي يعني أن القطاعات الإقتصادية تستهلك أزيد من 70 بالمائة.
لطالما ركز السياسيون داخل أقاليم هذه الجهة على تكثيف جلب الاستثمارات، لكن تم إغفال تدبير هذا العرض مقارنة بمؤهلات أقاليمهم المائية. و لم تصبح مسألة تدبير العرض إلا بعد ظهور المؤشرات الأولى المنذرة بأزمة الماء، و ذلك نظرا للطلب المتزايد على هذه المادة و وطأة فترة الجفاف بشقيه المناخيين سواء المتعلق بشح التساقطات في فصل الشتاء أو تأخرها عن موعدها الذي يتزامن مع فترة الحرث مما جعل الآبار بعدة دواوير داخل أقاليم الجهة تعاني النضوب مما أخرجهم في وقفات احتجاجية أو مسيرة اتخذت تسميات مختلفة "مسيرات العطش" مطالبين في الحق من الماء ليضعوا أصابعهم على العطب الذي لطالما دقت عليه فعاليات أكاديمية ناقوس الخطر في وقت سابق بتراجع الموارد المائية بالمنطقة.
قانون 10/ 95 المحين بقانون 15/36 بين حقيقة الفصول القانونية وصعوبة التطبيق
في سنة 1995 تمت المصادقة على قانون للماء وتحيينه في إطار قانون جديد رقم 15/36 صدر مؤخرا وقد تضمن هذا القانون في ثناياه مجموعة من المبادئ الأساسية أهمها التدبير المندمج و اللامركزي للثروة المائية و إشراك المواطن في المحافظة عليها، حيث أن تطوير موارد جديدة كإعادة استعمال المياه المستعملة بعد تنقيتها ساعد على استرداد و لو بشكل ضئيل بعض الكميات الضائعة. و قد أصبح أيضا من اللازم أيضا في المجال الفلاحي اعتماد بعض الزراعات الأقل استهلاكا للماء. رغم كل هذا فإن الاختيار السوسيواقتصادي الذي يعطي الأولوية للفلاحة و السياحة و الصناعة الغذائية كان له وقع كبير على تراجع جودة المياه الذي أصبحت كلفة تنقيته من الملوثات جد مرتفعة.
إذا ما أضفنا استمرار حفر العشرات من الآبار في الظلام بداخل الضيعات الفلاحية والمصانع وما يقابل هاته العملية من خرق سافر لقانون الماء، حيث يحول ملكا عاما مائيا إلى ملكية خاصة لها ما لها على المستوى البيئي والمالي في علاقة بوكالة الحوض المائي لأبي رقراق الشاوية ووكالة الحوض المائي لأم الربيع.
أجندة من الحلول المستعجلة للتخفيف من استمرار الأزمة في انتظار تجميع المتدخلين
من الطبيعي جدا، لما ورد في هذا الربورطاج من معطيات وأرقام علمية تنذر بالأزمة، مما يعجل بضرورة إعادة النظر في القانون المؤطر لاستعمال الماء رغم تحيينه مؤخرا، والتي تبث فشل نصوصه التنظيمية، أو إن صح التعبير، عدم تطبيقه بالشكل الصحيح، وهو ما يضع وكالة الحوض المائي والإدارة الترابية في "قفص الإتهام" بإعتبارهما متدخلين مباشرين في تفعيل السياسة المائية وحماية إستنزاف الماء خارج إطاره القانوني.
أمام بخصوص أزمة العطش، فقد بات من الضروري إستعمال مياه السدود للمياه الصالحة للشرب كأولوية مستعجلة، بينما وجب إنشاء محطات للمعالجة على نطاق واسع توجهه لمياهها لتغطية حاجيات القطاعات الإقتصادية، قصد تجاوز أزمة مياه الشرب خصوصا بالبوادي والقرى، والتخفيف من الإستعمال المفرط للمياه الجوفية .
بينما في مرحلة ثانيةعلى القيادات السياسية لذوي القرار داخل جهة البيضاء أن تتبع سياسة شفافة جدا حيال الأوضاع المائية بالجهة من خلال إنشاء موقع متخصص على الانترنت لنشر كل المعلومات المتعلقة بوضع الجهة المائي وإشراك المجتمع والمؤسسات الأكادمية بقضايا المياه والمساهمة في طرح الحلول والأفكار، بالإضافة إلى إنشاء وحدة إعلامية خاصة تعمل مع كافة وسائل الإعلام.كمايجب إقامة مؤتمر جهوي كل سنه لبناء إستراتجية جهوية لتدبير المياه، يشارك فيها جميع أفراد المجتمع وأصحاب القرار والعلماء والباحثين والمهندسين والصناعين والزراعين ورجال الأعمال.
هناك الكثير من الأمور التي يجب التفكير فيها والعمل عليها، فإن كان العالم يعاني من أزمة مالية فإننا المغرب عامة وجهة البيضاء سطات خاصة ستعاني من أزمة أشد وأعنف وهي الأزمة المائية وعلى الجميع أن يدرك أنه إذا لم نفعل شيئا، فإن المستقبل الذي ينتظر جيل المستقبل قاحل داخل هذه الجهة المستهلكة مائيا وغير المنتجة باعتبار كل مصادر المياه من خارجها، هذا إذا لم يكن مستقبلنا نحن كذلك.