بصمات خراطيش وسيارة داسيا.. مقتل مرداس.. ثلاثية الجنس والمال والغدر

نسجت قضية مقتل عبد اللطيف مرداس، برلماني الاتحاد الدستوري، قصصا كثيرة، كما طرحت طريقة تنفيذها رميا بالرصاص علامات استفهام كثيرة، خصوصا حول دواعي القتل البشع وباستعمال الذخيرة الحية. ثلاث رصاصات أخرست الرجل إلى الأبد، وصعوبات واجهت الشرطة القضائية، بسبب تشابك علاقات الضحية وتناسل الإشاعات، لتنتقل الأبحاث في سرعة قياسية إلى مسقط الرأس بابن أحمد، بحثا عن الجاني، قبل أن تعود في ظرف 15 يوما إلى مسرح الجريمة نفسه، أي فيلا حي كاليفوريا الراقي، حيث كان المخططون والمنفذون يتحركون بكل حرية…
سبرت مصالح الشرطة القضائية أغوار فرضية الاستدراج إلى المكان الذي خطط فيه لتصفية الهالك، دون أن تصدر المديرية العامة للأمن الوطني أو الوكيل العام للملك لدى استئنافية البيضاء، أي بلاغ للرأي العام في الموضوع، الذي أصبح يشغل كل المتتبعين، بل امتدت الفرضيات والتأويلات فيه إلى ضلوع مافيا متخصصة في تصفية الحسابات.
كانت الأبحاث العلمية منصبة حول تحديد السيارة التي استعملت في الجريمة، إذ تبين أنها جديدة، بعد تحليل الآثار التي تركتها أثناء مغادرة مسرح الجريمة، وتبين أن محركها ذو قوة دفع عالية، بعد تحديد سرعتها أثناء هروبها من المكان.
وبتعاون مع الشركة منتجة السيارات نفسها تم الاهتداء إلى لائحة للسيارات الجديدة التي بيعت في الآونة الأخيرة، وتحديد عناوين وكالات كراء السيارات التي توصلت بها، وبالبحث في العقود المنجزة قبيل تاريخ الجريمة، تم الاهتداء إلى شاب، اكترى السيارة في تاريخ الجريمة، الذي لم يكن إلا ابن شقيقة مشتراي السياسي الذي يشغل منصب نائب رئيس مقاطعة سباتة.
من جهة أخرى توصلت الأبحاث التقنية التي جرت على خرطوشة تم العثور عليها بمسرح الجريمة، في ليلة مقتل البرلماني مرداس، إلى أنها لبندقية مسجلة ببنك المعلومات الباليستية التابع للدرك الملكي. وهي المعلومات التقنية الخاصة ببندقية صيد مملوكة لشخص يسمى، هشام مشتري.
جرى إيقاف المتهم وزوجة مرداس، وامرأة أخرى، لم تفارق الفيلا، منذ وقوعه الجريمة، وهي قريبة لمشتري، وبدأت خيوط البحث، الذي تحول إلى المكتب المركزي للأبحاث القضائية تظهر، قبل إعادة تمثيل الجريمة.
جرى حجز بندقية بحوزة المتهم الرئيسي، وتبين أنها نفسها المستعملة في الجريمة، بناء على أبحاث القسم البالستي للتحليل التابع للدرك، بالاستعانة ببنك معلومات يضم معطيات دقيقة عن مالكي بنادق القنص ونوعية الخراطيش، وهو البنك المنشأ قبل سنة بعد حملة واسعة شنتها مصالح الاستعلامات العامة بالعمالات والأقاليم، من أجل العمل على إلزام جميع الحاصلين على رخص حمل السلاح الظاهر، بتقديم نموذجين من الخراطيش المستعملة انطلاقا من أسلحتهم النارية، إلى المصالح المختصة لإحالتها على القسم سالف الذكر.
ورغم أن المتهم عمد إلى محو بصمات الجهاز الذي يدفع الرصاصة، عند الضغط على الزناد، فإن تطابق مواصفات وبصمات خرطوشة عثر عليها أثناء مسح مسرح الجريمة، مع تلك المخزنة ببنك المعلومات، انضاف إلى باقي الدلائل العلمية التي تطوق المتهم.
خلصت الأبحاث نفسها إلى أن المتهم سدد ثلاث طلقات، إحداهما زاعت خرطوشتها الفارغة وسقطت على الأرض، عكس ما كان يتوقعه المتهم، الذي حرص على أن يضع ماسورة البندقية على حافة نافذة السيارة في وضع يسمح ببقاء الخراطيش المستعملة داخل السيارة، إلا أنه في لحظة ما لم يتحكم في أعصابه، سيما بعد أن تحركت سيارة الضحية، رغم تلقيه رصاصتين، ما دفعه إلى إطلاق رصاصة ثالثة فزاغ عن حافة النافذة لتسقط الخرطوشة خارج السيارة وتقع على الأرض، وغادر المشتبه فيه وشريكه المكان بسرعة حتى لا يتجمهر الجيران فيكشفوا أمرهما. العلاقة بين هشام المشتري والضحية عبد اللطيف مرداس، لم تكن علاقة صداقة، ولم يطمئن الاثنان إلى بعضهما لنسج صداقة قوية بينهما، بل كان الخيط الرابط بينهما، زوجة البرلماني، فالمتهم الرئيسي، كان ابن حيها، وكانت قريبته صديقة لها، والأخيرة، تحولت مع الأيام إلى منجمة وعرافة، عرفت بقدرتها على تقريب البعيد وتحبيب الزوج وطرد النحس والتأليف بين القلوب وغير ذلك من أعمال الشعوذة المنتشرة في الأحياء الشعبية، واستغلت توتر علاقات الضحية بزوجته، إذ كانت تمدها ببعض الوصفات لحل المشاكل الزوجية، خصوصا أن البرلماني الضحية، عرف بعلاقاته، وبمحاولة زواجه من أخرى…
يتبع….جريدة الصباح : الحلقة 3