مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2025 بين الطموح الاقتصادي وتحديات الاستدامة الاجتماعية

قدمت الحكومة المغربية مشروع قانون المالية لسنة 2025 وسط ظروف اقتصادية معقدة وتطلعات مجتمعية متزايدة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. المشروع، الذي عُرض أمام البرلمان من قبل وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، يعكس رؤية اقتصادية تعتمد على التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي والاستجابة للضغوط الاجتماعية المتزايدة، خصوصًا فيما يتعلق بالقدرة الشرائية والاستثمار في القطاعات الحيوية.
ارتفعت موازنة 2025 بنسبة 13.01% مقارنة بالسنة الماضية، لتصل إلى 721 مليار درهم (حوالي 73 مليار دولار)، وهو ارتفاع يعكس التوجه نحو سياسة مالية توسعية تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي وتوسيع قاعدة الاستثمار، حيث يتوزع هذا الغلاف المالي بين الميزانية العامة، التي استحوذت على النصيب الأكبر بقرابة 494.6 مليار درهم، والحسابات الخصوصية، واستهلاك الدين العمومي، مما يعكس حرص الحكومة على تحقيق توازن بين الإنفاق التنموي وإدارة الدين العام.
الحكومة وضعت نصب أعينها تحقيق نمو اقتصادي يقدر بـ4.6%، مع افتراض استقرار معدل التضخم في حدود 2%، وهو رهان يبدو محفوفًا بالتحديات بالنظر إلى السياقات الاقتصادية العالمية المتقلبة والتأثيرات المناخية على المحصول الزراعي، الذي تتوقع الحكومة أن يصل إلى 70 مليون قنطار. هذه الفرضيات تشكل حجر الأساس في بناء توقعات الإيرادات والنفقات، غير أنها قد تتعرض لضغوط في حال حدوث تقلبات خارجية أو تراجع الإنتاج الفلاحي.
في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بتحسين الوضعية الاجتماعية، حرصت الحكومة على تخصيص حيز هام من الميزانية لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، حيث رصدت حوالي 16.53 مليار درهم لدعم المواد الأساسية كغاز البوتان والسكر والقمح اللين، بالإضافة إلى 26.5 مليار درهم موجهة كدعم مباشر للفئات الفقيرة والهشة. هذا التوجه يعكس إدراك الحكومة لحساسية الأوضاع الاجتماعية وتأثير ارتفاع تكاليف المعيشة على الطبقات الهشة، لكنه يثير أيضًا تساؤلات حول استدامة هذه التدخلات في ظل الضغوطات المالية.
من جانب الإيرادات، تراهن الحكومة على تعبئة 369 مليار درهم عبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والرسوم الجمركية، وعائدات أملاك الدولة، وغيرها من الموارد، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بسنة 2024. غير أن هذا التوجه يواجه تحديات حقيقية تتعلق بمحاربة التهرب الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية، في ظل صعوبات اقتصادية قد تؤثر على القدرة الإنتاجية للقطاع رغم الأهداف الطموحة لمشروع قانون المالية لسنة 2025، إلا أن نجاحه يبقى رهينًا بمدى قدرة الحكومة على تحقيق التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي والاستجابة للمطالب الاجتماعية الملحة، خاصة في ظل ارتفاع الدين العمومي وتزايد الحاجة إلى الاستثمارات في قطاعات استراتيجية كالتعليم والصحة. إدارة هذا التوازن يتطلب استراتيجيات دقيقة لضبط الإنفاق وتوجيهه نحو القطاعات ذات الأثر المباشر على الاقتصاد الوطني.
مشروع قانون المالية لسنة 2025 يعكس طموح الحكومة في خلق دينامية اقتصادية متجددة وتحصين السلم الاجتماعي من خلال دعم القدرة الشرائية، لكنه يواجه تحديات مرتبطة بفعالية تنفيذ السياسات العمومية ومدى قدرة الاقتصاد المغربي على الصمود أمام التقلبات العالمية. وفي ظل ارتفاع توقعات الشارع المغربي لتحقيق تحسينات ملموسة في الحياة اليومية، تبقى الحكومة مطالبة بتحقيق نتائج ملموسة تعزز الثقة في السياسات الاقتصادية وتدعم الاستقرار الاجتماعي، فالمعادلة تبدو دقيقة، بين سياسة توسعية تحمل في طياتها آمالا بتحقيق النمو، ومخاطر مرتبطة باستدامة المالية العامة والضغط الاجتماعي، وهو ما يجعل سنة 2025 اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة على التوفيق بين التنمية الاقتصادية ومتطلبات العدالة الاجتماعية.
بقلم : أبو غيث