حيث يتحدث العقل داخل البرلمان: محمد غياث.. “لا يمكن لمغرب الغد أن يُدار بمغاربة البارح”
في جلسةٍ سياسيةٍ استثنائية، أطلّ البرلماني محمد غياث نائب رئيس مجلس النواب عن حزب التجمع الوطني للأحرار، بصوته الهادئ ونبرته الحاسمة، ليقلب رتابة النقاش المالي داخل البرلمان إلى محاضرة في قراءة الحصيلة الحكومية بعيون الواقع لا الشعارات، حيث كانت كلماته أشبه بجرس إنذارٍ للذاكرة السياسية حين قال: “”باش نعرفو فين غادين، خاص نعرفو منين جينا…”.
في ذات السياق، ذكّر محمد غياث الجميع بأن الحكومة التي تُناقش حصيلتها اليوم، تسلّمت البلاد في زمنٍ كانت فيه الأبواب موصدة والاقتصاد في الحضيض بسبب “كوفيد”، ومع ذلك يقول “غياث” نجحت في إعادة الإقلاع بتوازنٍ وهدوءٍ ومسؤولية وطنية، فالأرقام تتكلم والتاريخ يسجل، بعيداً عن الضجيج.
قانون مالية 2026: خارطة طريق أم شهادة نضج؟
وصف غياث مشروع قانون المالية لسنة 2026 بأنه أكثر من مجرد وثيقة مالية، بل خارطة طريق لإدارة التحول الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، حيث أضاف بثقة أن المغرب يتحرك في كل الاتجاهات، والحكومة نجحت في تمويل كل الإصلاحات دون المساس بالتوازنات المالية، ما اعتبره نضج في تدبير المال العام.
التعليم: من الأزمة إلى جرأة الإصلاح
انتقل غياث إلى قطاع التعليم، حيث قدّم أرقاماً صادمة، منها 59% من الأطفال المغاربة في السادس الابتدائي، لا يستطيعون تركيب جملة مفيدة، وترتيب المغرب سنة 2021 في المرتبة 56 من أصل 57 دولة، ما اعتبره الإرث الذي وجدت عليه الحكومة القطاع، قبل أن يضيف بنبرة حاسمة: “انتصر العقل… وباشرنا الإصلاح”، ليتحدث عن مدارس الريادة، ودعم الأسر، وإصلاح البرامج والمناهج، مؤكداً أن ميزانية 100 مليار درهم دليل على إرادة إنتاج “أحسن نسخة من الطفل المغربي”.
الصحة: من العجز إلى البناء المؤسسي
في قطاع الصحة، لم يُجامل غياث أحداً، واصفاً الواقع بـ “تهالك القطاع وغياب الموارد البشرية وضعف الحكامة لعقود”، لكنه شدد في نفس الوقت على أن الحكومة باشرت الإصلاح الجريء، عبر منظومة جديدة تضم: الهيئة العليا للصحة، وكالة الدم، المجموعات الصحية الترابية، والرفع من ميزانية القطاع من 19 إلى 32 مليار درهم.
الاستثمار العمومي: من الإنفاق إلى السيادة
أما بخصوص الاستثمار العمومي، فقد اعتبر “محمد غياث” أن ما تحقق ليس مجرد أرقام في قانون المالية، بل تحول في فلسفة الدولة حول بناء التنمية والسيادة الوطنية، من خلال 380 مليار درهم من التمويل الذاتي، حيث وصف الوضع بـ “نضج القرار المالي الوطني”، مؤكداً أن المغرب انتقل من التدبير بالأزمة إلى التدبير بالثقة، ثقة المؤسسات الدولية والمواطنين على حد سواء، في وقت لم يُخفِ “غياث” انتقاده لبعض أعطاب الإدارة قائلاً “الاستثمار الخاص لا يزال يعاني من بطء المساطر وغموض القرار… والوقت لا يرحم.”، قبل أن يختم بدعوة الحكومة إلى تسريع الإصلاح الإداري وإزالة العوائق أمام المستثمرين.
جيل “زيد” ومغرب الغد
في ختام مداخلته، وجّه البرلماني محمد غياث خطابه إلى الشباب، معتبراً أن مطالب جيل “زيد” هي مطالب كل المغاربة”: تعليم جيد، صحة متاحة، وفرص شغل كريمة. حيث قال بثقة وواقعية: “تكوين طبيب يحتاج 13 سنة، ومدرس كفؤ يحتاج 5 سنوات… والدولة تستجيب برزانة، وهذا هو الاستثناء المغربي.”، قبل أن يختم بعبارةٍ لاقت تصفيق القاعة: “لا يمكن لمغرب الغد أن يُدار بمغاربة البارح”.


