هل شركة التنمية “المنقذ المزعوم” لسطات.. أم أداة لإغراقها في العجز والمساءلة وخلق فرص للنهب المُقَنّن والمقنع؟

حين نتابع النقاشات الجارية في الخفاء والعلن، حول محاولة جرّ مدينة سطات إلى تجربة “شركة التنمية المحلية”، لا يسع المتتبع الموضوعي إلا أن يطرح سؤالًا صارخًا: هل نحن بصدد “مشروع إنقاذ” فعلي، أم أمام وصفة جاهزة لاستيراد وتفويت الفشل، وتفكيك ما تبقى من مقومات التدبير المحلي العقلاني؟
بعيدًا عن لغة التزيين والشعارات، وجب التذكير أن تجربة شركات التنمية في المغرب، ورغم الطابع القانوني الذي يحيط بها وفق المادة 130 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113.14، لم تكن يومًا نموذجًا يُحتذى به في التدبير، بل إن عدد من المدن المنتشرة في تراب المملكة، التي خاضت هذه المغامرة، تعيش اليوم على ذوي اختلالات واخفاقات موثقة، بعضها وصل إلى ردهات المحاكم بدخول عناصر الفرقة الوطنية والنيابة عامة على الخط، وأدى إلى مساءلة ومحاسبة رؤوس كبرى في مؤسسات محلية وإقليمية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، ما عرفته شركة مرافق بركان، قبل أن يتم محاولة تفريخها لأربع شركات وهي حركية وبركان وبيئة بركان ومجال بركان وحياة بركان، قبل أن يرفض وزير الداخلية عملية فقص البيض الشركة الأم، وإخراج كتاكيتها من طرف عامل الإقليم آنذاك، الشيء الذي خلق اصطدامات بين مدير الشركة المذكورة والسلطة العاملية، ما خلف ورائه عدد من المدراء الذين تعاقبوا على إدارة الشركة كبدلاء لأسباب يعلمها العام والخاص، ليتدخل العامل في المرحلة الأخيرة بتعيين موظف من العمالة على رأسها في خرق للفصل 15 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية. فهل هذه هي الوصفة التي يحتاجها إقليم سطات لإنقاذه؟
إن محاولات جرّ قطاع حساس كالنقل العمومي الحضري بسطات إلى أحضان شركة التنمية، تحت الضغط، يتجاوز حدود التدبير التقني ليصل إلى مربع الصراع، على من يتحكم في عصب المدينة المالي والخدماتي. بل أن من يُنصِّب نفسه مروّجًا وضاغطا لتعبيد الطريق لهذا الخيار، لا يتوانى عن توظيف قاموس مفعم بالمغالطات، يُسوِّق “المنقذ” الوهمي على أنه الحل السحري، في حين أن وزارة الداخلية نفسها، إلى جانب مجلس جهة الدار البيضاء سطات، تتجهان نحو خيار التدبير المفوض، لا شركة التنمية، فيكفي القول أن عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية وعبد الصمد قيوح وزير النقل واللوجيستيك وفوزي لقجع الوزير المكلب بالميزانية ورؤساء الجهات وقعوا على اتفاقية اطار تهم تمويل البرنامج الاستثماري الخاص بالنموذج الجديد لعقود التدبير المفوض للنقل العمومي الحضري، وذلك خلال المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة المنعقدة بطنجة. فمن المستفيد إذن؟ من له مصلحة في تضخيم ميزانيات الشركات على حساب الميزانيات الجماعية المنهكة أصلًا؟ من يريد تحويل المجلس الجماعي لسطات والمجلس الإقليمي لسطات من فاعل مباشر إلى مجرد “زبون” لدى شركات لا تخضع للمساءلة الديمقراطية الكاملة؟ ومن يخشى، في العمق، من استمرار الشفافية في التدبير، ويرى في الصفقات المعتمة لشركات التنمية فرصًا للتغلغل والنفوذ؟
الجواب واضح لمن أراد أن يرى، أو يرفع عنه غمامة التملق والمحاباة، إنها طبقة من “العفاريت والتماسيح”، عبر اقتباس المفهومين من تعابير بنكيران، تسعى لإحكام قبضتها على ما تبقى من هوامش القرار المحلي بسطات، وتحويل الأزمات إلى فرص للنهب المُقَنّن والمقنع تحت يافطة “شركة التنمية المحلية”.
فلتعلم ساكنة سطات، ولكل من يعنيه الأمر، أن “شركة التنمية” ليست سوى واجهة تقنية تُخفي خلفها مشروعا سياسيا واقتصاديا أخطر، ألا وهو تفريغ المجالس من مضمونها، وتفويت القرار العمومي إلى مقاولات ذات طابع غامض، تُثقل كاهل الجماعات بميزانيات ضخمة مقابل خدمات محدودة، إن لم نقل مشبوهة، لصالح إغناء جيوب “التماسيح والعفاريت”.
وعليه، فإن الحديث عن “شركة التنمية كمنقذ”، ليس فقط سذاجة في التحليل، بل خيانة صريحة لمبادئ الحكامة والشفافية والتدبير المحلي النزيه. وليتحمل كل من جعل من عاصمة “الكليمونتين” محج “كعبة” لاستقطاب أفواج النخب والأطر والفعاليات السياسية المغادرة لمدينة سطات تحت الضغط بدعوى التنقل للاستفادة من مخرجات تجربة شركة التنمية المحلية، التي تفوح رائحتها قبل الوصول لبركان، حيث يكفي زيارة خاطفة للفرقة الجهوية للفرقة الوطنية بمدينة فاس لمعرفة ونفض الغبار على الواجهة الخفية لهذا المشروع “شركة التنمية المحلية”، وليتحمل كل من يروج لهذا المسار مسؤوليته، سواء أمام المدينة أو التاريخ.