نزيف الترحال الاداري لكوادر عمالة سطات.. حين تتحول الكفاءة إلى عبء والرحيل إلى خلاص!

نزيف الترحال الاداري لكوادر عمالة سطات.. حين تتحول الكفاءة إلى عبء والرحيل إلى خلاص!

في خضم ما يُتداول في بعض الأوساط الإعلامية من أنباء، تفيد عدد منها بإعفاء رئيس قسم الشؤون الداخلية بعمالة سطات، يَفرض الواجب التحليلي والعلمي الدقيق التوقف عند هذه المعطيات المتداولة، ونزع الطابع التأويلي عنها، لصالح مقاربة أكثر واقعية وموضوعية، تُبرز الخلفيات الحقيقية للتنقلات الإدارية وتعيد تركيب الصورة بمنأى عن الانطباعات والانزلاقات الشعبوية.

المعطى الثابت، الذي تؤكده مصادر موثوقة ومطلعة لسكوب ماروك لحدود كتابة الأسطر، هو أن قرار مغادرة رئيس قسم الشؤون الداخلية بإقليم سطات، لم يكن بإعفاء إداري كما رُوِّج أو يروج له في ظروف مريبة، بل جاء بناءً على طلب شخصي عبّر عنه المعني بالأمر، للالتحاق بالمصالح المركزية لوزارة الداخلية، بعد أن تبين له غياب الظروف الملائمة للعمل الإداري والميداني بالإقليم في الوقت الراهن.

هذا المعطى وحده يُفند الرواية السطحية، التي تتغذى على الإثارة والإشاعة أكثر من الوقائع، ويطرح سؤالًا أعمق حول السياق المهني والمؤسساتي، الذي لم يستطع استيعاب كفاءة بهذا المستوى. كما أن هذا التحول ليس سوى حلقة ضمن سلسلة تحولات متتالية بدأت منذ تعيين العامل الجديد على الإقليم، حيث قدّم المصور الرسمي لخلية الإعلام بعمالة استقالته بشكل مفاجئ، وهي خطوة غير معتادة في هذا النوع من الوظائف المرتبطة ببنية اشتغال العامل، تلتها معطيات وأنباء شبه مؤكدة، تشير إلى امكانية انتقال الكاتب العام  لعمالة سطات في غضون شهر غشت المقبل من عاصمة الشاوية، في وقت لم يتسنى تحديد الوجهة الجديدة…

هذه التنقلات، وإن بدت في ظاهرها قرارات إدارية عادية، إلا أن انتظامها وتزامنها الزمني يُحيل على شيء أعمق، يتعلق ربما بتغير مناخ العمل داخل المؤسسة، وفقدان الانسجام بين فريق إداري قائم وقيادة ترابية جديدة، ما يبعث على الأسف أن هذه الأسماء التي تتوالى مغادرتها، تُعد من الكفاءات الإدارية المشهود لها، وقد راكمت خبرات مهمة كان من المفترض أن تُستثمر لخدمة التنمية المحلية بسطات، لا أن تُستنزف في بيئة غير حاضنة. وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين النخب الإدارية والسلطات المعينة، وعن أي نموذج تدبير نطمح إليه فعليًا في المدن المتوسطة كسطات؟

التحليل العلمي لما يجري يفرض تجاوز منطق “الإعفاء أو العقوبة”، نحو فهم أدق لمعادلة “الهدر المؤسساتي للكفاءات”، حيث لا يتعلق الأمر بمجرد قرارات انتقال، بل بمؤشرات على أزمة أعمق في تدبير الموارد البشرية بالإدارة الترابية، حين تتحول مواقع القرار إلى بيئات طاردة لا جاذبة، وحين تتحول مؤسسة العمالة إلى حاضنة لاستيراد الولاءات من بركان، حيث لم يقتصر الترحال الإداري على شخص بعينه، بل بات يتعلق بعدد من الكوادر القابل عددها للارتفاع في أية لحظة، ما يطرح سؤال بالمانشيط العريض : لماذا؟ وماهي الأسباب والدوافع التي دفعتهم لهذه القرارات؟

وهنا مكمن الخطورة، فحين تُصبح الأطر الكفؤة تغادر في صمت، ولا يبقى في الواجهة سوى التأويلات والإشاعات، تفقد المدينة فرصتها في الاستقرار الإداري والتراكم المؤسساتي، وتُختزل النقاشات في “من غادر” بدل نقاش السؤال المحوري، المتمثل في “لماذا غادر؟”، وهي نقطة ضعف في الوعي العمومي والسياسي معًا.

إن سطات، كغيرها من المدن، لا تحتاج فقط إلى كفاءات، بل إلى مناخ إداري يحتضنها ويمنحها الأدوات اللازمة للفعالية. وما يجري اليوم يستوجب وقفة تأمل جماعية، ليس فقط لإعادة الاعتبار لهؤلاء الذين غادروا، بل لإعادة النظر في كيف يُدار المشهد برمته.

وفي ختام هذا التحليل، لا يسعنا إلا أن نرفع كلمات الشكر والامتنان للكوادر الإدارية التي غادرت أو تستعد لمغادرة مدينة سطات، ليس عن ضعف أو تقصير، بل عن قناعة بعدم وجود شروط موضوعية تليق بكفاءتها وتجربتها ورؤيتها المتبصرة. شكراً لكم لما قدمتموه من مجهودات صادقة، وما تركتموه من أثر إداري ومهني محترم، سيظل شاهدًا على مرحلة كانت تحتاج لمن يصنع الفرق بصمت. وإن غادرتم الأدوار، فبصمتكم باقية في تفاصيل الإدارة المحلية، يشهد لها من عرفكم عن قرب.