سطات ليست بركان يا سعادة العامل… واحترام القانون والكفاءات المحلية أولى من استيراد الولاءات!

حين يوقّع جلالة الملك محمد السادس نصره الله على برقية تعيين مسؤول ترابي، فالأمر لا يُقاس بنظرة ضيّقة إلى مجرد انتقال إداري أو تغيير روتيني في بنية العمالات، فتلك البرقية الملكية السامية، في بعدها العميق، ليست وثيقة مجاملة ولا عبارات تشريفية، بل هي خريطة طريق مشفّرة، موجهة إلى رجل السلطة الجديد، ومحمّلة بتراكمات الماضي، وتعقيدات الحاضر، واستحقاقات المستقبل، والرسالة التي تمت قراءتها يوم تعيين عامل إقليم سطات الجديد محمد علي حبوها، تحديدًا، لم تكن بريئة من الدلالة والقراءات.
فسطات، هذا الإقليم الغارق في تناقضاته، حيث يئن تحت ثقل التفاوتات المجالية، والإجهازات السياسية، والفراغ المؤسساتي، لا يقبل أن يُدار بذات المنطق الذي أنتج ركوده لعقود. فهل التقط العامل الجديد الترددات الحقيقية لتلك البرقية؟ هل فهم “حبوها” خارج المجاملات الأولية، أنه استلم تدبير ملفات ملغّومة، لا مدينة هادئة؟ وهل استوعب أن سطات في حاجة إلى رجل سلطة يجيد تشفير ما وراء السطور؟
إن التحدي اليوم لا يكمن في تسيير الأمور اليومية للإقليم من داخل ردهات مقر عمالة سطات، أو رفع تعليمات من داخل مكتب موصود الأبواب في الطابق الثاني لمقر العمالة، بل في كسر دائرة رتابة رجال السلطة، وتجسيد العهد الجديد لأم الوزارات عبر تفكيك البنية الخفية التي كانت تعرقل كل محاولة للإقلاع، ولو في حدّها الأدنى.
إلى حدود الساعة، لا شيء يوحي بأن الرجل، قرأ الواقع المحلي بعينٍ تحليلية ميدانية، ولا أنه اجتهد في بناء تصوّر دقيق لخصوصيات الإقليم، ولا أنه أطلق أي دراسة علمية جدّية لفهم دينامياته المجتمعية والاقتصادية، ولا حتى لتشخيص الإشكالات الحقيقية التي تؤخر انطلاقته عبر نفض الغبار على الملفات العالقة أو حتى تكليف نفسه عناء عقد لقاءات تواصلية مع المجالس المنتخبة (إقليمية، بلدية وقروية) فضلا على ممثلي المصالح الخارجية…، فما نراه لحد الآن، لا يعدو أن يكون قرارات تنظيمية ارتوازية، ينقصها العمق، وتغيب عنها الرؤية، تُتخذ في غرف مغلقة، بمنأى عن الواقع المتحرك، وبعقلية لا تُؤمن بتجميع المعطيات بقدر ما تميل إلى منطق التعليمات الفوقية.
الأخطر من ذلك، هو الرسالة الضمنية التي حملها سلوك العامل “حبوها” منذ أول يوم: نظرة دونية واضحة إلى المدينة وأطرها، وكأنها فضاء مهجور من الكفاءات، فاختار أن يُحيط نفسه بطاقم استقدمه من إقليم بركان، في خطوة صادمة تعبّر عن عدم الثقة في النخب المحلية، بل وعن تصور اختزالي للإقليم وكأنه كان يُدار – قبل مجيئه – بالصدفة. هل يُعقل أن مدينة كُبرى بحجم سطات، بتاريخها وبجامعتها ومجتمعها المدني…، لا تتوفر على طاقات قادرة على الاشتغال والمواكبة؟ أم أن الأمر يتعلق بمنهجية تعكس خوفًا من الانفتاح وتفضيلاً لدوائر ضيقة تُدار بالولاء لا بالكفاءة؟
سطات ليست في حاجة إلى إعادة تدوير الوجوه، ولا إلى من يحتمي بطاقم جاء به من عاصمة البرتقال “الكليمونتين” وكأننا في حالة استعمار داخلي ناعم، بل هي في حاجة إلى رجل دولة، يفهم أن بناء الثقة يمر أولاً عبر احترام ذكاء الساكنة، والاعتراف بكفاءات المنطقة، لا تهميشها. فالتنمية الحقيقية لا تُصنع بالعزلة ولا بالاستعلاء، بل بالاندماج في النسيج المحلي، والانصات إلى نبض الميدان، وتقدير من راكموا التجربة والمعرفة.
إن مغادرة “حبوها” للجلسة الأولى لدورة المجلس الإقليمي برسم شهر يونيو 2025 قبل انتهائها، تاركا ورائه الكاتب العام لخلفه، وغيابه غير المبرر عن الجلسة الثانية المنعقدة يومه 23 يونيو 2025، جعل من دورة المؤسسة الدستورية للمجلس الإقليمي في جلستها الأولى وكذا الثانية، تتحولان إلى جلستان غير قانونيتان، لمخالفاتها مقتضيات القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم، في مادته 34، التي تقضي وجوبا بالحضور الشخصي لعامل الإقليم وليس من يمثله أو من ينوب عنه، على نقيض القانون التنظيمي للمجالس الجماعية رقم 113.14 في مادته 33، كما أن القانون التنظيمي للمجالس الإقليمي لم يثر أو يشير إلى أن العامل يحضر الافتتاح فقط، وإلا كان المشرع ضمنها فيه.
في ذات السياق، لم تقتصر القرارات والتعليمات العاملية عند حد الإجراءات غير المسبوقة السالفة، بل ما تضمنه من منع للمرتفقين والموظفين والمنتخبين لإدخال مركباتهم إلى موقف السيارات بالعمالة، وحصره لفائدة (م. روج) فقط، وكان تنمية الإقليمي لن تتأتى إلى بخوصصة موقف السيارات لفائدة طاقمه فقط، حيث تفاجئت مكونات المجلس الإقليمي من منعهم لإدخال سياراتهم، في وقت تناسى “حبوها” أن نفقات الماء والكهرباء والهاتف الخاصة بالبناية التي يقبع في طابقها الثاني، تدفع مصاريفها الشهرية من خزينة المجلس الإقليمي وليس من ميزانية وزارة الداخلية، فضلا على عدم مراعاة أن محيط مقر العمالة لا يتوفر على مواقف للسيارات، كافي لاحتضان جحافل مركبات الموظفين في منطقة إدارية، الشيء الذي يبرهن بالملموس أن “درون” العامل “حبوها” لم يقم بأدنى تشخيص لمحيط مكتبه، مقابل رفع تعليمات طرشاء هنا وهناك دون استشراف تداعياتها..
فهل سيفهم “حبوها”، قبل أن يبتسم للكاميرات، أن مهمته ليست تجميل واجهة متآكلة، بل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن؟ أم أنه، كما فعل غيره، سيكتفي بتدبير الأزمات بحسابات تقنية باردة، تاركًا الحريق الاجتماعي يتسع في الهامش؟
وليس خافيًا أن من يراقبون سطات من بعيد، في دوائر القرار العليا، يدركون أن الإقليم تحوّل إلى مرآة لعطب مغربي عميق، عطب التدبير بلا مساءلة، والسلطة بلا أثر، والتمثيلية بلا شرعية فعلية، فهل سيكون هذا العامل استثناءً؟ حيث وُضعت أمامه رسالة سيادية لجلالة الملك، واضحة الرؤى والرسائل: سطات لم تعد تتحمّل أنصاف الحلول، فإما أن يكون رجل المرحلة، وإما أن يكون رقما إضافيًا في سجل الفشل المزمن، الذي حفظه أبناء المدينة عن ظهر قلب…
..يتبع.. لنا عودة للمحاولة الفاشلة لهدر وهدم ما تبقى من تاريخ وتراث سطات متمثلا في بناية قصر بناية بلدية سطات وكذا كواليس تنزيل بالمنطاد لشركة التنمية المحلية…