المجلس الإقليمي والتنمية المعطلة.. “بلوكاج” مريب يفرمل عجلة قاطرة المشاريع الحيوية والأعضاء يحتجون في جلسة دستورية

في الوقت الذي تستمر فيه النقاشات حول ضرورة تسريع وتيرة التنمية، يواجه المجلس الإقليمي بسطات، تعطيلاً غير مفهوم لمشاريع كبرى، رغم استيفائها لجميع الإجراءات القانونية والإدارية والمالية، فبينما تؤكد التوجيهات الملكية على ضرورة الالتزام بتنفيذ البرامج التنموية وفق آجال محددة، يظل الواقع المحلي أسيرًا لبيروقراطية متجذرة، تأخذ شكل “بلوكاج” مقنع، لا تفسير له سوى غياب الفعالية، أو ربما وجود نوايا خفية تعمل على كبح عجلة التغيير، وهو ما قاد مكونات المجلس الإقليمي لسطات خلال مناقشة النقطتين الثامنة والتاسعة، المتعلقة بمآل اتفاقتي شراكة، من جدول أعمال الجلسة الأولى لدورة مجلسه برسم شهر يونيو 2025، إلى الانتفاض في مداخلات متطابقة، وصلت ببعض الأعضاء إلى التعهد بتقديم استقالات جماعية او تنظيم وقفات احتجاجية، إلى أن يتم رفع “الفيتو” على مشاريع سطات.
بداية الحكاية المأساوية مع مشاريع سطات، لا بد من التذكير خلالها بأن مكونات المجلس الإقليمي لسطات بقيادة رئيسه مسعود أوسار وبتوجيهات من السلطة الإقليمية، وضعت برنامج عمل طموح يراعي خصوصيات الإقليم ويستوفي للإجابة على أولويات تطلعات رعايا صاحب الجلالة بربوع جماعات إقليم سطات، حيث يضم مئات المشاريع، من بينها على سبيل الذكر فقط، مشروع هيكلة وتأهيل 18 مركز بجماعات إقليم سطات، وفق نموذج “المراكز الصاعدة” الذي يهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز الخدمات الأساسية، بغلاف مالي يصل 425 مليون درهم، تتوزع بين أزيد من 125 مليون الدرهم كمساهمة لوزارة اعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسية المدينة، وأزيد من 120 مليون درهم كمساهمة للمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، و90 مليون درهم مساهمة من مجلس جهة الدار البيضاء سطات، بينما سيساهم المجلس الإقليمي لسطات بغلاف مالي يفوق 64 مليون درهم، حيث تم توقيع الاتفاقية وبرمجة اعتماداتها المالية من طرف الشركاء، خاصة أن دراستها التقنية والفنية استنفذت من ميزانية المجلس الإقليمي أزيد من 2 مليون درهم وفق صفقة رقم 18/BP/2019، غير أنه رغم استيفائها مختلف الشروط والمساطر القانونية والتقنية لازالت حبيسة أم الوزارات لمدة تناهز السنة.
في ذات السياق، إن المشاريع المعطلة لم تتقوف عند هذا الملف، بل الأخطر من ذلك أن مشروع الربط وتوسيع الشبكة المائية ببعض الجماعات داخل إقليم سطات في إطار برنامج التنمية الجهوية، الذي يمكن اعتباره بطريقة أو أخرى ينسجم مع الورش الملكي لتوفير الماء الشروب لرعاياه الأوفياء، لا زال الآخر سجين رفوف ردهات مكاتب وزارة الداخلية، علما أن الأخيرة ليست لا بمساهم ولا بشريك داخل هذا المشروع، الذي تبلغ كلفته الإجمالية 150 مليون درهم، حيث سيتكفل المجلس الإقليمي لسطات بإخراجه للوجود عبر مساهمة مالية تصل 20 مليون الدرهم، بشراكة مع مجلس جهة الدار البيضاء سطات الذي خصص مساهمة مالية تصل 130 مليون درهم.
هذان المشروعان، وغيرهما، كانا سيشكلان تحولًا استراتيجيًا في التنمية المحلية، حيث تم التخطيط لهما بدقة، وتأمين مصادر تمويلهما، وتوقيع الاتفاقيات مع مختلف الشركاء المعنيين، ومع ذلك، ورغم مرور أكثر من سنة على استكمال كل الإجراءات، ما زالت وزارة الداخلية لم تمنح وميضها الأخضر بمثابة موافقتها لمباشرة إنجازهم، ما أدى إلى توقف المشاريع في مرحلة حرجة. فهنا يُطرح السؤال الجوهري: إذا كانت كل الشروط مستوفاة، فما سبب هذا التأخير غير المبرر؟ ومن المستفيد من استمرار هذا الجمود؟
في ذات السياق، لا يمكن إنكار أن هذا التعطيل يتعارض بشكل صريح مع الرؤية الملكية للتنمية، التي شددت في أكثر من مناسبة على ضرورة تسريع إنجاز المشاريع، والقطع مع العقليات البيروقراطية التي تفرمل التنمية، حيث خلال معظم إن لم نقل كل الخطب الملكية، كان التأكيد واضحًا بعبارات صريحة وأخرى مشفرة، على أن التأخير في تنفيذ المشاريع، لا يؤدي فقط إلى تضييع الفرص، بل يساهم في تأجيج حالة عدم ثقة المواطنين في المؤسسات، ويعمّق الفوارق المجالية بين المدن وجوارها سواء حواضر أو مناطق قروية، وعليه، كيف يمكن تبرير هذا البطء الإداري، في وقت تتجه فيه البلاد نحو نموذج تنموي جديد قائم على النجاعة والفعالية وربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وإذا كانت الجهات الوصية على علم بهذا الوضع، فما الذي يمنعها من التدخل لتسريع وتيرة الإنجاز؟ خاصة أن البلاد مقبلة على عدد من الاستحقاقات الرياضية القارية والعالمية.
إن محاولة فهم هذا “البلوكاج” المفروض على مشاريع المجلس الإقليمي لسطات، تقودنا إلى فرضيتين: الأولى، أن ما يحدث هو مجرد تعثر إداري ناجم عن البيروقراطية المعتادة، التي تجعل من أي مشروع رهينا لإجراءات معقدة لا نهاية لها، بينما الفرضية الثانية وهي الأخطر، بأن هناك جهات ما، تتحكم في مسارات التنمية وفق حسابات غير معلنة، إما للحفاظ على توازنات معينة، أو للتحكم في توزيع المشاريع بناءً على مصالح سياسية واقتصادية ضيقة.
في كلتا الحالتين، الضحية الوحيدة هي الساكنة التي تمثل رعايا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بإقليم سطات، التي تجد نفسها محرومة من مشاريع حيوية، رغم أن التمويل متاح، والاتفاقيات موقعة، والإرادة المحلية قائمة، الشيء الذي يدفع أكثر من مرة عددا من رؤساء ومنتخبي الجماعات بإقليم سطات إلى التردد على مكتب رئيس المجلس الإقليمي لسطات، لاستفساره عن مآل المشاريع، التي باتت مصدر قلق لهم، خصوصا بعد تأخر انطلاق تنفيذها الذي كان مبرمجا مع مطلع سنة 2023، ما يجعلهم محط مساءلة ومحاكمة من طرف ساكنة جماعاتهم التواقة للتنمية المنشودة.
في ظل هذا الجمود، يبدو أن الحل الوحيد هو التدخل العاجل لوزير الداخلية لنفض الغبار على ملابسات هذا التأخير، وترتيب المسؤوليات، وضمان إطلاق المشاريع في أقرب وقت ممكن، فالتنمية لا يمكن أن تظل مجرد شعارات، بل يجب أن تتحول إلى واقع ملموس ينعكس على حياة المواطنين، خصوصًا في المناطق القروية التي تعاني من التهميش والعزلة منذ عقود.
وإذا كانت أم الوزارات ترى في مشاريع المجلس الإقليمي لسطات ترفا، ولا تستحق الخروج لحيز الوجود، فلماذا سمحت بأن تلتهم دراستها التقنية والفنية مبلغا بالملايين المدفوعة من المال العام، تصل 2.226.000 درهم، فهل تم هدر مبلغ هذه الدراسات سدى؟
ختامًا، لم يعد مقبولًا أن تظل المشاريع التنموية رهينة “موافقة إدارية” غامضة، في وقت يتحدث فيه الجميع عن ضرورة تقليص الفوارق المجالية وتسريع التنمية، فإما أن تتحمل وزارة الداخلية مسؤوليتها، وتكشف أسباب هذا التعطيل، أو أن يظل الوضع على ما هو عليه، مما يعني المزيد من الإحباط، وتآكل الثقة في قدرة المؤسسات على الاستجابة لحاجيات المواطنين. فهل سنرى تحركًا جديًا لإنهاء هذا “البلوكاج”، أم أن سياسة الانتظار ستظل العنوان العريض لهذه المرحلة؟
باقي التفاصيل بالصوت والصورة في فيديو لاحق من قلب دورة المجلس الإقليمي لسطات….