الأستاذ معاد فاروق: سطات الواعدة.. من إرث التكرار إلى فجر التجديد السياسي

أصدرت أسبوعية جريدة الأمل، التي تعتبر لسان حال حزب الأمل المغربي، عمودا في صفحتها الأولى يعود للمهندس الشاب، الأستاذ معاذ فاروق، الذي سلط من خلاله الضوء على صراع الأجيال في المجال السياسي، مستلهما عباراته من واقع حال مدينة سطات، قبل أن يفتح كوة الأمل لجيل الغد، بطرح عدد من المخرجات الكفيلة بتجديد النخب السياسية، حيث لجمالية صياغة وترتيب كرونولوجيا أفكار الموضوع وسلاسة الاستدلالات اللغوية والنحوية، سأتقاسم معكم نص المقالة:
“”في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، تبدو سطات على أعتاب لحظة محورية تترابط فيها ثلاثة مقومات أساسية: إرادة التحول، وضدُّ ثقافة التكرار، ودفوع الفعل المواطني الحر. فبعد عقود من هيمنة “الأعيان السياسيين” الذين تمترسوا خلف رتبٍ ومناصبَ ارتسمت أسماؤهم بها، بات المشهد الحزبي في سطات يغوص في سُباتٍ رتيبٍ لا يعبِّر عن دينامية المجتمع ولا يعكس تطلعاته إلى تجديد النخب.
ولا يخفى أن ثيمة “التجديد” هنا ليست شعاريّة فحسب، بل جوهرٌ تحليلي يقوم على نقد ثانويّة الوجوه المستهلكة، وطرح أولوية الكفاءات الصاعدة القادرة على مزج الرؤية الاستراتيجية بالتطبيق التكتيكي. فالمعمر السياسي، بما يحتفظ به من رصيدٍ رمزي، صار عبئاً على آليات الابتكار المؤسسي؛ إذ إن النموذج التقليدي القائم على الزعامات الشخصية ينهار تحت وطأة إفقار الطاقات الشابة ويعطّل منطق التداول السلس للسلطة.
إن سياق سطات الراهن يستدعي قراءات متعدّدة المستويات: أولاً، قراءة ديموغرافية تُظهر تفوّق فئة الشباب من حملة الشهادات العليا، والقادرة على استثمار رافعة المعرفة في إقلاعٍ تنموي؛ ثم قراءة سوسيولوجية تبين أن الرضا الشعبي بات مشروطاً بمقدمات الشفافية والمساءلة، لا بالاكتفاء بالولاءات الحزبية التقليدية؛ وأخيراً قراءة بنيوية تُبرز الحاجة إلى إعادة هندسة البنيات الحزبية المحلية لتجاوز القوالب الإدارية الجامدة.ومن هذا المنظور، تُصبح دعوة ساكنة سطات إلى أداء “كلمتهم” عبر صناديق الاقتراع، فعلَ تحرير مدروساً من إرثِ التكرار. فهي ليست مجرد عملية تبني وجوه جديدة، بل عملية إحلالٍ منهجيّ؛ حيث تُستبدل آليات القرار الفردي المُركز بأُطر تشاركية تشرك المواطن في الرقابة وبناء السياسات. إن الوعي الأصيل يقتضي أن يُنظر إلى الصوت كصكّ ضبطٍ دستوري يضمن تجديد الشرعية، لا كصك ولاء رجعيٍّ للاسم المستهلك.
عند هذه النقطة، يصبح لزاماً تسليط الضوء على معايير الاختيار الرشيد: النزاهة الإجرائية في الترشح، والجدارة التقنية في إدارة الشأن المحلي، والقدرة على الابتكار في الحلول الإقليمية؛ فضلاً عن الاستعداد لتحمّل مفاعيل المحاسبة السياسية من خلال مؤسسات شفافة. تلك هي المؤشرات التي تميّز بين سياسيٍّ يستجدي منصباً وبين قائدٍ مواطنٍ يصنع السياسات.ولئن كانت الآمال معلقة على بروز وجوه جديدة، فإن الثقة ستُرزحُ على عاتق تلك الكفاءات أمام امتحان الأداء الفعلي بعد الاقتراع. فالتجربة الديمقراطية لا تقف عند لحظة التصويت، بل تمتد إلى آليات المتابعة والمساءلة ما بعد التعيين. وهناك تكمن أهمية استقرار إطار مدني حزبي يضمن للمواطنة الفاعلة مساحة للتعبير المستمر، بعيداً عن أي ثقافة احتكارية للقرار.
في المحصّلة، تستعد سطات لفتح مشروعٍ سياسيٍّ تنويريٍّ حقيقيّ؛ مشروعٍ يعترف بأن السياسة ليست ملكيةً للأسماء الراسخة، بل مجالٌ للاشتغال الجماعي والإبداع المؤسسي. يوم يصوّت أبناء المدينة على كفاءاتٍ جديدة، يكونون قد أطلقوا معول الهدم ضد السكون السياسي، ومهدوا الطريق لبناء فضاء عام ينبض بالتجدد والمسؤولية. بذلك، تتحول منطقة سطات إلى مختبرٍ ديمقراطي يُحتذى به، وينطوي على دروسٍ معتبرة في فنِّ تداول السلطة والتحديث المستدام””