المطرح العشوائي للنفايات في سطات.. لغم حي يتربص بصحة وسلامة المواطنين

في ظل اشتداد الضغوط البيئية على النظم الحضرية، تتجلى أزمة تدبير النفايات كأحد التحديات الهيكلية، التي تعكس قصورًا ممنهجًا في التفاعل مع المتطلبات الإيكولوجية المستدامة. وضمن هذا الإطار، تمثل مدينة سطات نموذجًا لمفارقة بيئية حادة، حيث يتموقع المطرح العشوائي للنفايات كمتغير غير مضبوط داخل النسق العمراني في الجهة الغربية للمدينة، مُفرزًا تفاعلات كيميائية وفيزيائية معقدة تُعيد تشكيل أنماط التلوث الجوفي والهوائي بطريقة غير خطية وغير متجانسة.
على مستوى التفاعلات الداخلية للمطمور، تؤدي الكتل النفاياتية إلى حدوث تحولات جذرية في الميكروبيوم البيئي المحلي، إذ يتمركز التحلل البكتيري في بيئات لا هوائية تُنتج كميات مرتفعة من الميثان والهيدروجين الكبريتي، وهو ما يؤدي إلى ديناميات متقلبة في الضغط الداخلي للمطمور، محدثًا إجهادًا حراريًا قد يصل إلى عتبة الاشتعال الذاتي، حيث مع غياب منظومة لتثبيط هذه العمليات، يتحول المطرح إلى حاضنة محتملة لسيناريوهات انفجارية غير متوقعة، إذ تتفاقم الهشاشة البيئية بفعل عدم القدرة على احتواء التدفقات الغازية ضمن نطاقات آمنة.
التسربات الباطنية من ناحية أخرى، على شكل العصارة النفاياتية (leachate) بمثابة مُعقد جيوكيميائي عالي التركيز من المعادن الثقيلة والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، مما يؤدي إلى اضطراب في الإمكانات الأيونية للطبقات الحاملة للمياه الجوفية، فمع كل زخة مطرية، تزداد معدلات النفاذية الهيدروليكية، مما يعزز من عملية الارتشاح العميق للملوثات داخل طبقات المياه الجوفية (الفرشة المائية)، وهو ما قد يفضي إلى اختلال التوازن الأيوني للأحواض المائية المغذية، مؤديًا إلى تحولات فيزيائية-كيميائية قد تُعيد تشكيل الخصائص الهيدروديناميكية للفرشة المائية بأكملها.
على المستوى الاستراتيجي، يبرز المطرح الحالي كنتاج لانحرافات مزمنة في التخطيط البيئي الحضري، حيث يتم التعامل مع النفايات ضمن مقاربة ترحيلية غير وظيفية، تفتقر إلى أي منظور شمولي لإعادة التثمين الطاقي أو التحويل البايوميكانيكي. في المقابل، تعتمد بعض المدن الرائدة على إعادة تدوير النفايات الصلبة عبر آليات التحليل الحراري المتقدم (pyrolysis) أو التخمير البيولوجي اللاهوائي، مما يسمح باستخلاص مخرجات طاقية وكيميائية ذات قيمة اقتصادية، في حين تستمر مدينة سطات في إدارة نفاياتها وفق نسق تراكمي عديم الجدوى، يراكم الأضرار دون أدنى مخرجات إيجابية.
إذا كانت المدن المرشحة لاستضافة التظاهرات الرياضية الكبرى تخضع لمعايير بيئية صارمة، فإن مدينة سطات تقف أمام تناقض صارخ بين مقتضيات الاستدامة البيئية ومتطلبات الحدث الرياضي. فالمنظومة البيئية للمدينة تشهد اختلالًا وظيفيًا حادًا على مستوى إدارة النفايات والتوازنات الإيكولوجية، مما يجعلها غير مؤهلة لمواكبة التطورات الحضرية التي تتطلبها استضافة فعاليات عالمية بهذا الحجم. وبالتالي، فإن استمرار الوضع الراهن قد يُدخل المدينة في أزمة بيئية مُركبة ذات امتدادات اقتصادية واجتماعية غير قابلة للاحتواء.
أمام هذه التحديات، يصبح من الضروري تبني مقاربة علمية متقدمة لإعادة هندسة تدبير النفايات، عبر إنشاء منظومات فرز انتقائي لتقليل الضغط على الطمر العشوائي، تفعيل التحويل البيولوجي للنفايات العضوية لإنتاج البيوغاز والأسمدة العضوية، الاستثمار في تقنيات التثمين الحراري لتقليص البصمة الكربونية للمدينة.
في ظل هذه الديناميات، يبقى السؤال الجوهري: هل تستطيع المدينة تجاوز هذا الانحراف البيئي البنيوي قبل أن يتحول إلى كارثة غير قابلة للسيطرة؟ أم أن تدبير النفايات سيظل أسيرًا لمنطق التدخلات الظرفية التي لا تعكس أي تصور استراتيجي حقيقي؟ الإجابة لن تتأخر كثيرًا، فالمؤشرات الحالية تكشف لا محالة عن تحركات غير مسبوقة للمجلس البلدي لسطات قصد تسوية الوضعية العقارية قبل انطلاق مشروع “المطرح العمومي المراقب” في وقت أن الزمن البيئي للمدينة بدأ ينفد.