جزء 3: دراسة علمية تتحدث عن تنازل الشاوية قصرا على لقب “أرض الفلاحة” بعد أن تخلت عن لقب “خزان المغرب من الحبوب”

حتمية الطبيعة وبصمات التاريخ تعيق التنمية الفلاحية بالشاوية…
النظام العقاري بالشاوية لا يشجع على الإستثمار
تتميز الشاوية بنظام عقاري یحمل في طیاته بصمات التاریخ، و ھو نظام مركب لا یشجع على الاستثمار والاستغلال الجید للأرض، نظرا لتعدد القوانین، و كذا تنوع المتدخلين المكلفين بتدبیر مختلف الأنظمة العقاریة. ویتكون النظام العقاري من أراضي الجموع، وأراضي الملك، والأراضي المخزنیة و أراضي الحبوس و أراضي الكیش.
أضحى ھذا التنوع من أنظمة الأراضي عائقا یقف في وجه المشاریع التنمویة، حیث لا یمكن قانونیا تفویت الأراضي ذات الأنظمة العقاریة العتیقة مثل أراضي الجموع وأراضي الأحباس للخواص، وبالتالي فإن خدمة الأرض بھذا النوع من العقار تعاني من غیاب التنافسیة التي یتمیز بھا الخواص في خدمة الأرض. بسبب انعدام الضمانات القانونیة المتمثلة أساسا في الملكیة الفردیة المحفظة، كما أن المؤسسات المالیة المقرضة تتخذ الحیطة والحذر من جانبھا كلما تعلق الأمر بعقار غیر محفظ..
هيمنة الملكية الصغيرة على البنية العقارية
يواجه الفلاحة الشاوية مشكل تفتت الملكیة بسبب توالي التقسیم بین الورثة، مما يجعل الحيازات مجزأة إلى أجزاء عدیدة. ومن نتائج تجزيء الأراضي أن 38 % من الاستغلاليات الفلاحية تقل مساحتها عن 3 هكتارات تستغل 12 % من المساحة الصالحة للزراعة فقط و56 % من الاستغلاليات الفلاحية تقل مساحتها عن 5 هكتارات، تستغل 16% من المساحة الصالحة للزراعة.
إن ارتفاع تكاليف استغلال الملكيات الصغيرة وخاصة البورية مقارنة مع العائدات السنوية للأرض تدفع الفلاحين لمغادرة أرضهم أو انتظار بيعها أو كرائها وغالبا ما يستغل هذه الفرص كبار الملاكين الذين يوسعون بذلك مساحة حيازاتهم ورصيدهم العقاري، في حين يتحول صغار الفلاحين، إلى جانب الأفراد الذين لا يتوفرون على أرض، إلى عاطلين يبحثون عن عمل مأجور إما في عين المكان أو في المراكز الحضرية المجاورة وغيرها.
یقف تجزأ الملكیة ھذا في وجه محاولة المكننة والعصرنة باستثناء الضيعات العصرية. وبالتالي يحصرعمل أغلب الفلاحین في زراعات معاشیة لا تكاد تغطي حتى الحاجیات الأساسیة للفلاح نفسه، خاصة عندما يتعلق الأمر بموسم شحيح – معدل مردودية القمح 14 قنطار في الهكتار
التساقطات و تلبية حاجيات المزروعات
تعتمد الفلاحة في الشاوية على الزراعة البورية، بينما تنتشر الزراعة السقوية في مجالات صغيرة ومتفرقة، ويتم الإعتماد في السقي بهذا القطاع على المخزونات المائية الجوفية.
إن هذه المعطيات المقدمة في الجدول نظرية وليست مطلقة فهي تتغير حسب اختلاف المواسم الزراعية وكيفية توزيع الأمطار بالنسبة لمراحل نمو النباتات، بالإضافة الى عامل درجة الحرارة وما لها من تأثير فهي تتدخل في تحديد المقدار الفعلي لمياه الأمطار المفيدة للنباتات (الأمطار النافعة)، إذ لا تتحقق كمية الأمطار اللازمة لبعض المزروعات الفلاحية (الذرة البيضاء، الذرة الصفراء، البطاطس) إلا في بعض السنوات الإستثنائية، لذلك عادة ما يلجأ الفلاح للإعتماد على السقي الإضافي للرفع من الإنتاجية.
لتفسير طبيعة العلاقة بين المتغيرين الحاجيات المائية للحبوب و التساقطات، تم الاعتماد على دراسة الحصيلة المائية في الشاوية فكانت النتائج كالتالي: في السنة المناخية العادية بدون تطرفات داخل السنة، وباستثناء أواخر الدورة الانباتية تلبي الأمطار حاجيات الحبوب الخريفية من الماء. هذا وكلما ازداد الجفاف، أو وقع خلل في النظام المتوسط للأمطار بالمنطقة، إلا وتدهور معها المردود. وبالعكس، كلما ازدادت أهمية الرطوبة، وبالأخص مع شهري أبريل وماي، كلما كانت تلبية هذه الحاجيات أكثر، وفي فترات أكثر حساسية للماء، وبالتالي ارتفع مردود الذرة الربيعية.
تفرز الرطوبة العالية أضرارا ببعض المزروعات
تلحق الرطوبة العالية أضرارا متباينة بمزروعات الشاوية من خلال ظهور مجموعة من الحشرات و الأمراض الطفيلية كمرض ميليدو Mildiou الذي يدعى محليا "النيكرا" و يصيب بصفة خاصة الطماطم و البطاطس و مرض البياض الدقيقي Oidium الذي يصيب البطاطس والقرعيات و الكروم (الأكحل ، 2004) ، كما أن الضباب يساعد على انتشار بعض الحشرات كحشرة المن Puçeron Noir و الديدان كدودة البور Chenille de Friche و تدعى محليا "بوكطيفة"، تظهر اولا في الأرض غير المزروعة "البوار" فتنتقل إلى المساحات المزروعة المجاورة لتلتهم اوراق النباتات. كما أن تأخر التساقطات كما هو الحال في موسم 2001 بجماعة بوسكورة، عرض معظم محاصيل الخضروات للأمراض الطفيلية مثل : Botrytis, Nécroseapical, Alternaria , Chenille Mineuse . التي أظهرت مقاومة للأدوية الكيماوية. و نفس الشيء وقع في موسم 2006، حيث حصل ذبول في بعض المشارات المتفرقة لكون الفلاحين لم يزودوا محاصيلهم بالأدوية، مما ساهم في ظهور مجموعة من الأمراض كدودة البور و خاصة في محصول الفاصوليا.
و ظهور الحشرات و الأمراض السالفة الذكر يتطلب مصاريف إضافية لمعالجتها و هي مصاريف غالبا ما يتخلى عنها الفلاحون الصغار بسبب غلاء أدوية المعالجة.
أثر التساقطات على مردودیة مزروعات
يتميز مردود الحبوب بالشاوية، بعدم الانتظام، وهذا يرجع أساسا للتغايرية المناخية وبالضبط للتغايرية المطرية. لكن، وعلى خلاف بعض المناطق من البلاد، فإن المحدد الأساسي لمردود الحبوب بمنطقة الشاوية ليس هو المجموع السنوي للأمطار، بل التوزيع داخل السنة هو الذي يتحكم أكثر، وبالأخص أمطار بعض الفترات المحددة من السنة.
فمثلا، إذا كانت الأمطار السنوية لا تفسر سوى 32% من تباين مردود القمح الطري بهذه المنطقة، فإن النسبة المفسرة من طرف أمطار الثلث الأخير من شهر مارس تصل إلى 39%، أما النسبة المفسرة من طرف أمطار الثلث الثاني من شهر أبريل، تقارب 50%. وتفسر أمطار شهر فبراير حوالي 42% من تباين مردود القمح الصلب. بالنسبة للذرة الصفراء مثلا، إذا كانت العلاقة بين الأمطار السنوية والمردود ضعيفة وسلبية، فإن أمطار الثلث الثاني من شهر يونيو تفسر 47% من تباين هذا المردود، وتفسر أمطار الثلث الأخير من شهر غشت 42% منه. أما أمطار شهر يونيو تفسر حوالي 75% من تباين هذا المردود.
علاقة التغايرية المناخية و المساحة المزروعة
أفرزت التغايرية مجموعة من الإنعكاسات و الآثار على القطاع الزراعي. فعلى مستوى المساحة المحروثة یؤدي الجفاف إلى تقلص نسبة الأراضي مقارنة مع السنوات الرطبة. و ھذا الأمر مرتبط بالأساس بتخوف الفلاح حین غیاب الأمطار في بدایة الموسم الفلاحي من استمرار شح السماء طیلة السنة ،و بالتالي تسجیل إنتاج ضعیفة إلى منعدمة.
تؤثر التغايرية المناخية على انتشار مساحة الأراضي المحروثة، ذلك أن تأخر الأمطار في بدایة الموسم الفلاحي أو قلتھا لا يشجع الفلاح على حرث مساحة كبیرة، و من خلال البحث اتضح أن نسبة الأراضي المحروثة تختلف حسب رطوبة السنة: فسنة 2009 التي تعتبر سنة رطبة و استثنائیة من حیث كمیة الأمطار على مستوى الشاوية وعلى الصعید الوطني ، یلاحظ خلالھا ارتفاع في المساحة المحروثة، حیث سجلت جماعة بوسكورة مثلا مساحة من الحبوب البورية تقدر بـ 700 20 هكتار ومساحة الأعلاف البورية 8000 هكتار ، مقارنة مع سنتي 2004 و 2005 الجافتین، التي وصلت فيها الحبوب البورية 19355 هكتار و الأعلاف البورية 6520 هكتار، و بالمقابل ھناك ارتفاع لنسبة الأراضي الراقدة في سنوات الجفاف
المصدر: الدكتور يوسف بلوردة، أطروحة لنيل الدكتوراه بعنوان "وقع التغايرية المناخية على الاستراتيجيات والسلوكات الزراعية لتدبير الأراضي في الشاوية السفلى"، كرسي اليونسكو (غ,ن)، جامعة محمد الخامس بالرباط، 2013