جزء 2: دراسة علمية تتحدث عن تنازل الشاوية قصرا على لقب “أرض الفلاحة” بعد أن تخلت عن لقب “خزان المغرب من الحبوب”

جزء 2: دراسة علمية تتحدث عن تنازل الشاوية قصرا على لقب “أرض الفلاحة” بعد أن تخلت عن لقب “خزان المغرب من الحبوب”

الهوية التاريخية مدخل لتنمية الفلاحة الشاوية…

تناقضات في تحديد اسم و تاريخ الشاوية

في بداية العصر الوسيط و تحديدا مع بداية الكتابات العربية عن المغرب، تتحدث المصادر التاريخية والجغرافية عن تقطيع المغرب، و تحديد أسماء لبعض المناطق و الأماكن التي ما زال بعضها موجودا وبعضها الآخر انمحى، و تدخل الشاوية ضمن هذه التقسيمات التي عرفها المغرب: السوس الأدنى "يمتد من مدينة طنجة إلى واد وانسيفن"؛ السوس"و يمتد من نهر وانسيفن إلى واد سوس"؛ السوس الأقصى" ما وراء واد سوس جنوبا "؛

تدخل الشاوية ضمن السوس الأدنى (حجاج الطويل، 1993)، و  في المصادر الوسيطية المتأخرة ورد اسم تامسنا بأشكال مختلفة فعند ابن عبيد البكري (1911) و(1965) كتب الاسم بألف مقصورة – تامسنى- و في مصادر لاحقة بألف ممدودة – تامسنا- (التادلي، سنة النشر غير معروفة). بل وجدت الكلمة حتى بتاء ساكنة – تمسنة- (المكناسي، سنة النشر غير معروفة).  أما تفسيرها فقد قيل فيها مجموعة من التأويلات  من ذلك : أن تامسنا كلمة بربرية زناتية معناها بالعربية – البسيط الخالي-.

الشاوية هو الاسم الذي عوض الاسم القديم و الذي يعرف به اليوم جزء من المنطقة قيل في تفسيره وشرحه أنه آت من الشاة (حجاج الطويل، 1993). أما الروايات الشفوية فتعطي تفسيرا آخر كأن الاسم آتي من كلمة (شوية) التي تعني القلة أي أن سكان المنطقة كان عددهم قليلا مقارنة مع القبائل الأخرى.

تامسنا معناها (السهل الكبير) و الكلمة بربرية الأصل، إما مصمودية أو صنهاجية، بدليل أن الكلمة لا زالت موجودة في المغرب و بالذات في جبال الريف الشرقية بصيغة التصغير البربرية (تامسينت) و هي تعني اسم لقرية أو سهل صغير (حجاج الطويل، 1993).

قراءة نقدية في الكتب التاريخية حول اسم الشاوية

إن تعريف تامسنا بالبسيط الخالي بعيد من الصواب على اعتبار أن الدراسات التاريخية تتحدث على أن تعمير المغرب قد يكون بدأ من هذه المنطقة بدليل أن المنطقة تتوفر على أكبر عدد من المواقع الأثرية للإنسان القديم، كما أن المنطقة عرفت مستوى حضاريا متطور و أكبر دليل على ذلك  قيام  إمارة من أقوى الإمارات التي تقاسمت حكم المغرب في تامسنا و هي إمارة برغواطة (الشريف الادريسي، سنة النشر غير معروفة)، حتى أن المنطقة عرفت في كثير من المصادر باسم بلاد برغواطة. فكلمة الخالي هنا لا معنى لها على الواقع اللهم إذا عني بها شيء آخر.

تقول الدراسات أن الشاوية اسم أطلق على المنطقة لغلبة النشاط الرعوي المرتكز على الشياه و ذلك ابتداءا من العهد المريني، و بعض الدراسات تقول  الجملة التالية "الشاوية هم رعاة بني مرين". هذا التحديد الأخير يصعب اعتماده على اعتبار أن تسمية منطقة ما اعتمادا على نشاط سكانها في المغرب نادر، ذلك أن أغلب الأسماء بربرية الأصل و لها دلالات طبوغرافية في معظمها، فكيف تغير اسم هذا المجال دون غيره، أي كيف تم الانتقال من المصطلح الطبوغرافي إلى البشري؟

رمزية المناخ في الموروث الشعبي لفلاح الشاوية

أزالت النصوص التاريخية – (حجاج الطويل، 1988)، (العماري، 1988)-  والروايات الشفوية العديد من الغموض الذي لف كثيرا من الجوانب الخفية في تاريخ الإنسان بالشاوية، و خصوصا على مستوى علاقة الإنسان بالطبيعة و الدور الذي لعبته هذه الأخيرة في توجيه طرق اهتمامه و أنشطته الاقتصادية والاجتماعية. كما أن الأمثلة الشعبية التاريخية و التي تحكي لتاريخ الشاوية تمحور جزء منها حول التقسيمات الفلكية المرتبطة بالنشاط الفلاحي الذي تعرفه المنطقة.

فمبدأ الموسم الفلاحي عند الشاوية معروف بنضوب التين فعبروا عن ذلك بقولهم " إلى خرفت الكرموسة بانت الغيسة" (العماري، 1988).و يعتبر فصل الخريف الفترة التي تبتدأ معها فترة الترقب و الانتظار مما ستجود به السماء من أمطار تكون علامة على دخول الإنسان المحلي محك السنة الفلاحية، والشروع في عملية الحرث التي يكون مبدأها في منزلة السماك، حيث تقول بعض الأغاني في النصوص " كنا في لحظة جيران نمشي ليك و تجي لي، الفلاحة، أولاد امراح، الدرويش للدرويشة اللي كال شي حاجة على الله، توكلنا على الله، يا ربي تنزل البركة، بعدما كان الزفافي و النفنافي انت كنت في فراشك دافي دابا اعطيتيني من الحار و خديتيني الصافي".

فالرياح الخريفية المحملة بالأمطار الأولى دليل على حركية الإنسان لمباشرة مهامه في عملية الحرث التي يجب أن لا تتعدى الأسبوع الثاني من شهر دجنبر و قد عبر المثل القائل " اللي بغا الهولة يزرع قبل الشولة " عن ذلك أصدق تعبير.

يبدو من مقاربة تاريخ ابتداء موسم الزرع (الزريعة) في الشاوية بمناطق أخرى أن الإقليم يباشر ذلك قبل مناطق أخرى من المغرب و خاصة في الشمال. إذ يعتبر الفلاح الذي يباشر فلاحته مبكرا سيد المجال الذي ينتج فيه ولأجل ذلك تقول الأمثال الشعبية بالمنطقة " حرث بكري و لا سير تكري ".

رمزية تربية الماشية في المثل الشعبي الشاوي

لا يقتصر حضو المثل الشعبي على النشاط الزراعي فحسب، بل حاول الإنسان أن يِؤقلم نشاطه الرعوي والمعطيات المناخية. نجد بعض الأمثلة التاريخية الشائعة بالمنطقة تقول " إذا صبت في الصمايم بيع الزرع وشري البهايم "، و هو إشارة إلى أن عملية الكسب و تربية الماشية يجب أن تتم وفقا لما تمليه الظروف المناخية المعاشة.

 كما نجد أمثال أخرى تستحضر علاقة المناخ بذهن و سلوك الفلاح الشاوي منها المثل الذي يقول: "إلى كان مارس يسيل ويبريل ضليل ومايو صافي صقيل، الثلث في الصابة يحيل عند الخماس الدليل" ويقصد به أنه إذا كان فصل الربيع ممطر وشهري أبريل  وماي ذا أجواء حرارية معتدلة فأكيد سيكون المحصول الفلاحي لهذه السنة جيد. يقول مثل آخر: شتاء الصيف وكلام الضيف ونجوم الليالي ما فيهم أمان" يعني أن الشتاء الصيف لا يمكن اعتبارها عادية لأن وقتها الأصلي في الشاوية هو فصل الشتاء لذا فهي تكون فجائية يمكن أن تلحق أضرار وتسبب في الكوارث. نجد كذلك إشارات في الموروث الشعبي أن الفلاح كان مدركا أن السنوات الرطبة تساهم في الرفع من منسوب الفرشة الباطنية و كذا إعطاء مردودية فلاحية جيدة إضافة للتقنيات التي كانت مستعملة في تلك الفترة لاستخراج المياه و كذا تخزين المحاصيل و ذلك من خلال قوله " العام المبشور كيعمر فيه البير و المطمور".

تغايرية المناخ عدم استقرار التاريخ السياسي للشاوية

ساهمت تغايرية المناخ في عدم الاستقرار الإقتصادي والسياسي بالشاوية. إذ نجد أن فترات عدم الاستقرار تتزامن مع فترات الجفاف و التي كان لها وقع على الحياة الاقتصادية و السياسية للمنطقة. تؤكد المعلومات التاريخية التي جاء بها الباحثون  -الناصيري،العفراني، الزياني… على وجود 52 فترة جافة عرفتها الشاوية ما بين القرن التاسع إلى التاسع عشر مع وجود فترات جفاف أشد قساوة من الأخرى. و قد كان لهذه الفترات آثار على المستوى الاقتصادي و الأمني للبلاد، حيث تسببت في مجموعة من المجاعات…  

ميز القرن 17 توالي 10 فترات جافة. وتعتبر الفترتان الكارتيتان هما اللتان حصلتا بين 1626 و 1628 و بين 1651 و 1653، الشيء الذي دفع السكان إلى القيام بهجرات جماعية إلى باقي المجالات الفلاحية المغربية. كما ارتفع عدد الوفيات، حيث توفي خلال شهر واحد في نهاية 1628 أزيد من 000 100 شخص بالمجاعة.

أكل و بيع الأطفال بسبب المناخ في الشاوية

ظهرت كذلك ظاهرة أكل الأطفال بالبوادي خلال الفترة بين 1651 و 1653، كما واكب هذه الفترة عدم الاستقرار على المستوى السياسي.

يمكن التمييز خلال القرن 18 ما بين 4 فترات جافة مختلفة حسب وقع كل فترة. و اكب هذه الفترات صراعات على المستوى السياسي خاصة بعد ظهور بوادر وفاة السلطان مولاي إسماعيل.

تميزت الفترة الجافة الأولى من هذا القرن ببيع سكان دكالة و النواحي ماشيتهم و أطفالهم للبرتغال مقابل الحصول على الحبوب. و في الغالب لا يقبل البرتغاليين إلا الأطفال، بينما ظهرت في الفترة الثانية حركات النهب و الثورات على السلطة المخزنية خاصة بعد موت السلطان مولاي إسماعيل سنة 1727. قدم السلطان محمد بن عبد الله في الفترة الثالثة و التي اعتبرت أطول فترة جفاف في القرن 18 مجموعة من القروض للسكان ذات مدة لا تتجاوز 4 سنوات، بينما منع السلطان خلال الفترة الرابعة بيع أي منتوج للأجانب.

 ميز القرن 19 مجموعة من الفترات الجافة تصل لـ 10 فترات، و كان للفترة 1877 إلى 1881 آثار وخيمة ابتداءا من أزمة نقدية سنة 1877، انتهاءا ببيع السكان على شكل عبيد، و حاول السلطان في صيف 1878 توزيع مجموعة من قناطر الحبوب من مخازنه بمكناس، لكنه اكتشف تدهور و سوء جودة  آلاف القناطر. كما ميزت هذه الفترة ظاهرة أكل الأطفال، إذ مات مجموعة من الدواوير لغياب مواد غذائية.

المصدر: الدكتور يوسف بلوردة، أطروحة لنيل الدكتوراه  بعنوان "وقع التغايرية المناخية على الاستراتيجيات والسلوكات الزراعية لتدبير الأراضي في الشاوية السفلى"، كرسي اليونسكو (غ,ن)، جامعة محمد الخامس بالرباط، 2013