حراك جرادة باكورة التنزيل المعاق لدستور 2011

ودع المغرب سنة 2017 بمجموعة من الأحداث، آخرها ما بات يعرف بحراك جرادة الذي دخل أسبوعه الثاني ، على وقع احتجاجات متزايدة أرسلت عدة رسائل إلى كل المهتمين عبر العالم أبرزها:
أولا- نسجل في البداية حصول ذهول كبير وسط المتتبعين من (نخب، رجال سلطة…)، نتيجة لانفجار شعبي الذي وقع جراء انهيار بئر لاستخراج الفحم، بسبب تدفق المياه الجوفية بشكل قوي، مما أدى إلى مصرع شقيقين "شهيدي الرغيف الأسود". وقد ترتب عن الذهول تبلور كثير من المواقف للحدث، من بينها اتفاق الكل على خروج الساكنة منددة بالأوضاع الكارثية التي تعيشها المدينة، وما موت الشقيقين إلا تلك القطرة التي أفاضت الكأس. هذا الخروج في شكل سلمي حضاري، عبر المسيرات والتظاهرات حق يكفله الدستور في فصله 29، أكد للرأي العام الوطني والدولي أن السلمية شعار الفعل الإحتجاجي بجرادة الذي ساده إنضباط وتنظيم كبيرين، فندد كل التكنهات المرتبطة بالانسياق وراء كل أشكال العنف.
ساكنة جرادة اليوم أضحت رهان الكل على النموذج الحقيقي للوحدة والتضامن وكذا رمزا للشعب الواعي بحقوقه وواجباته، حيث أنه في خضم مسلسل الحراك لم تسجل ولو حالة واحدة تلقي بالحراك إلى مستنقع العنف، وهذا بإشادة كل المنابر الإعلامية سواء الرسمية أو الحرة.
ثانيا- من الأسباب التي عجلت بهذا الانفجار الذي أطلق عليه حراك جرادة، انعدام العدالة المجالية، من خلال التقطيع الترابي الجهوي الأخير الذي كان يهدف إلى توطيد الحكامة الترابية الجيدة والتنمية المحلية، عبر الجهوية المتقدمة التي ستساهم في إعادة التوزيع الواضح والدقيق للسلط والاختصاصات بين المركز والجهات من ناحية، والتقطيع الناجع تعزيزا لمسار اللاتمركز، بحيث ستصبح الجهة قادرة على كسب تحديات التنمية وتكريس مبادئ الديموقراطية والحكامة ،فكان رهان نجاح الجهوية يتطلع إلى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا و جغرافيا و منسجمة اجتماعيا و ثقافيا، هذا الذي لم يجسد على أرض الواقع فلقد ظهر شرخ كبير بين النص (الدستور، القوانين التنظيمية الخاصة بالجهات، الخطب الملكية ). لكن الواقع أعطانا كما أسلفنا الذكر اللاعدالة مجالية التي تساوي اللاعدالة اجتماعية، من خلال تركيز الدولة للتنمية بشكل كبير لعدة جهات (طنجة ،الرباط، الداربيضاء..)، وجهات استفادت من التنمية عبر مؤهلاتها السياحية الضخمة مثل(مراكش ،أكادير….)، فيما أخدت جهة الشرق نصيبها من التهميش بعد إغلاق كل الموارد التي كانت تخلق رواجا اقتصاديا على سبيل المثال غلق الحدود مع الجارة الجزائر، إغلاق المعبر الحدودي مليلية الذي كان قبلة تجارية مهمة للمنطقة، إغلاق كل المناجم بإقليم جرادة ….، في غياب طرح بديل إقتصادي حقيقي يتوافق مع الخطاب الرسمي يساهم في إنعاش الجهة الشرقية اقتصاديا وتنمويا.
ثالثا- ظهور أزمة تواصل عند المنتخبين، بحيث أتثبت الممارسة ضعف تكوين المنتخب الجماعي ونقص تجربته في تدبير الشأن العام كانت له نتائج سلبية على علاقته بالمواطن بشكل عام. وهذا ما لمسناه في خطاب رئيس جهة الشرق حينما قام بتقزيم المؤسسة التي يرأسها، مؤكدا على وجود تناقض بين النص القانوني والممارسة. من هذا المنطلق فقد بات لزاما على الدولة والأحزاب السياسية الاهتمام بتكوين المنتخب الجماعي وتأطيره، حتى يساهم في تحديد حاجيات المؤسسات التي يمثلها من خلال ضبطه لكيفية برمجة المشاريع والاعتمادات وتدبير محكم للموارد المالية والبشرية، من أجل رفع مستوى وكفاءة المجالس الجماعية في الأداء
رابعا- لم تخلو شعارات المحتجين من "شعبية شعبية لا حزب ولا جمعية "،هذا ما يؤكد بالملموس فقدان الثقة بين الفاعل السياسي والجمعوي وبين المواطن. – فالحزب السياسي لم يعد يلعب الدور المحوري في تأطير المواطنين وتكوينهم سياسيا، وكذا تعزيز إنخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام … حسب الفصل 7 من الدستور، لقد تحولت الأحزاب السياسية إلى نوادي عائلية تخدم أجندتها الخاصة على حساب المصلحة العامة وأصبحنا نرى توزيع المناصب والمكاسب بين الأب والولد والأخ والأخت، قابله نمودج حزبي يعيش حالة بؤس سياسي وفكري، دخل حالة من العطالة وإنسداد الأفق ونهاية الاجتهاد الإيديولوجي وسيادة الانتكاسة السياسية على الساحة السياسية المغربية. – المجتمع المدني أولى له الدستور مكانة مرموقة عندما أكد الفصل 12 في فقرته الثالثة أنه مساهم في الديموقراطية التشاركية ، وفي إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية … ،بالإضافة إلى الفصل 139 الذي جعله مشاركا في في العملية التنموية ،لكن تم إجهاض هذه التجربة قبل ولادتها ،رغم إصرار الدولة على إشراك المجتمع المدني ،إلا أنها فشلت في تحقيق التنمية وإنتاج فاعل جمعوي مؤهل ،لعدة أسباب أهمها غياب ألية التتبع ،عدم مراقبة كيفية صرف الدعم العمومي المالي لكل جمعية على حدى.
خامسا- نسجل حضور الراية الوطنية وترديد النشيد الوطني في كل الأشكال الإحتجاجية للحراك ،ضربة موجعة لكل المشككين في وطنية المواطن المقهور الذي إضطر للخروج مطالبا بحقوقه التي يضمنها له الدستور .سلمية ووطنية الحراك أحرح السلطة المحلية التي حاولت أن إستخدام المقاربة الأمنية كوسيلة لإنهاء الحراك خصوصا يوم الإثنين الماضي خلال مراسيم الدفن. إحراج كذلك الحكومة التي لم تحرك ساكنا غير الخروج الإعلامي لرئيس الحكومة يعد بعقد لقاء مع نواب الإقليم بالبرلمان. في الوقت الذي يحمل فيه شباب الحراك مسؤولية تأزم الأوضاع للنواب أنفسهم عبر شعاراتهم وخطاباتهم بالساحات العمومية، ومطالبة الجهات المسؤولة فتح تحقيق : -مع كل المسؤولين سواء المنتخبين أو رجال السلطة فيما ألت إليه الأوضاع بالإقليم . -مع كل المتورطين في جريمة محاولة دفن الشهيدين ليلا، في خرق سافر لكل القيم الإنسانية والدينية،التي تدعو إلى إكرام الميت . -تفعيل مبدأي المساءلة والمحاسبة في حق كل من تبث تورطه في جرائم مست إقليم جرادة منذ 1998 إلى حدود الأن.
سادسا- إصرار شباب الحراك على التصعيد في أشكالهم الإحتجاجية ،ما لم يتم الإستجابة لمطالبهم العادلة والمشروعة، وتأكيدهم على أنه لا حوار سيجمعهم مع والي جهة الشرق ،لأن صلاحياته محدودة مقارنة بملفهم المطلبي حسب قولهم ،ويرون أن الضامن الوحيد لهم للنزول للحوار هو وفد وزاري ،دون ذلك الحراك مستمر في شكله السلمي في مراحل تصعيدية.
يتكون الملف المطلبي من نقاط أساسية تتجلى في :
1-إيجاد بديل إقتصادي حقيقي للإقليم يعوض إغلاق شركة مفاحم المغرب .
2- محاسبة كل المسؤولين عن الأزمة الإقتصادية للمدينة.
3-إلغاء فواتير الماء والكهرباء، كجبر عن الضرر الذي سببته محطات إنتاج الطاقة الكهربائية بالإقليم. أخيرا لا يسعنا إلا أن نشيد بسلمية الحراك، وإبداع الحراك الثقافي من خلال القصائد الشعرية والزجل المعبران عن قضية جرادة، وكذلك عن رصيد الشباب الثقافي والأخلاقي اللذان أعطايا للحراك صيتا حسنا على الصعيد العالمي
بقلم : المهدي بوخوالي طالب باحث في سلك الماستر بوجدة ومنحدر من مدينة جرادة