هل يمكن اعتبار خطاب الملك بأجدير بداية طفرة في التعامل مع مطالب الحركة الأمازيغية ؟

ظل سؤال الثقافة الوطنية يفرض نفسه بقوة في جل المجتمعات وخاصة في شعوب العالم الثالث، معترضة إياه عدة عقبات تشكل في ذات الوقت ثنائيات مضادة: الهوية/ المعارضة، الشمولية / الإنقسام، الاعتراف/ الإقصاء.
ولما كانت الثقافة على مستويات ثلاث:
مستوى فردي: والذي من خلاله يتمثل المثقف ثقافة وطنه خاصة والثقافة الإنسانية العامة، مستوى شعبي: تعكس الثقافة من خلاله دوما وضعية طبقية ثم على مستوى إنساني عام: والذي تكون بمقتضاه الثقافة تلك الأعمال التي تعبر عن موقف الإنسان إزاء الطبيعة وما وراء الطبيعة، إزاء نفسه ومصيره"[1]. فإنه يصعب التعامل مع هذا السؤال وتجعل من ذلك أمرا، معقدا إذ لا يمكن الانطلاق من مستوى دون آخر نظرا للعلاقة التفاعلية التي تربط بين الثلاثة هو ما يجعل الباحث والمتلقي يتيهان في ما إن كان الأمر يتعلق بحوار أوص راع ثقافي والحال أنهما وجهان لعمله واحدة، للمسألة الثقافية ذاتها.
وفي نفس السياق لا يمكن أن نعتبر المجتمع المغربي في منأى عن هذا السؤال "الحوار/ الصراع الثقافي"، خاصة فيما يتعلق بالمسالة- القضية الأمازيغية- وما يدور حولها من لغط وحراك لا يمكن حصره في إشكال الاعتراف باللغة كوسيلة كلامية أو أداة للتواصل فحسب بل يمتد الأمر إلى غدوه صراعا حول الهوية والكرامة والثقافة والأرض والتاريخ… كل ذلك من خلال اللغة، فعلى قلم الأستاذ عبد الله العروي: "الحرف يخدم اللغة واللغة تخدم الثقافة والثقافة تخدم المجتمع".
ولعل اختيارنا لموضوع: الحقوق الثقافية الأمازيغية بالمغرب، يتناسب مع أهميته الراهنة التي تتجلى فيما بعد المطالبة بالاعتراف أي مرحلة الاستجابة (الملكية- الدستورية والوطنية) وما لازال يحيط بها من أسئلة (العقبات السياق- المآل…). و ما يعيشه اليوم المغرب من مستجدات ستناول منها الشق الثقافي
فإلى أي حد يمكن القول باستجابة الدولة لمطلب الحركة الأمازيغية في الاعتراف بحقوقها الثقافية؟
إن معالجة هذه الإشكالية تقتضي منا الإجابة عن ما يلي من أسئلة:
-ما الدور الذي لعبته الحركة الثقافية الأمازيغية في الخروج بالقضية الأمازيغية من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري؟
-ما موقع كل من بيان شفيق وبيان أكادير في مرحلة ما قبل الاستجابة؟
-هل يمكن اعتبار خطاب الملك بأجدير بداية طفرة في التعامل مع مطالب الحركة الأمازيغية ؟
– دسترة الأمازيغية…بداية أم نهاية؟
لعل أهم الصعوبات التي اعتبرتنا ونحن ننجز بحثنا هذا، هي نفسها صعوبات الموضوع ذاته، إذ أننا وجدنا أنفسنا أمام صراع نسقين اثنين، فالعربية والأمازيغية ليستا لغتين أو ووسيلتين كلاميتين فحسب، بل مدخلان ثقافيان ينطوي خطاب كل صنفهما على نسق عميق محوره الوطن.
فيصعب على الباحث الالتزام بالموضوعية العلمية المفروضة متجردا من انتمائه ودائرته ومحيطة، زد عن ذلك ما يعتريه في الآن ذاته من مخاوف من رد فعل المتلقي –القارئ- الذي ينتمي بدوره لدائرة معينة بصعب عليه هو الآخر أن يتجرد منها وهو قد يقرأ عن قضيته أو قضية الآخر التي يشكل فيها بشكل أو آخر طرفا مؤيدا أو معارضا. زد عن ذلك صعوبات داخل النسق ذاته أبلغها الصراع بين الثقافي والسياسي.
إذ قد يعتبر البعض المطالبة بالحقوق الثقافية الأمازيغية ليست إلا مطية لتتخذ هذه المطالبة لونا آخرا سياسيا تسعى من خلاله لهدم البنية الحالية لتفرض نفسها كبنية جديدة وقائمة أو أصلية يجب أن تستعيد مكانتها، في حين قد يعتبرها آخرون مسألة عادلة للدفاع عن الهوية وإثبات الذات الأمازيغية أمام الشعور بالإقصاء. فبنفس المنطق قد يرى البعض في القضية الأمازيغية وازعا للتفرقة في حين قد يرى طرف آخر أن الاستجابة لمطالبها يضع البناء الاجتماعي فيمأمن من نشوب صراع القوميات والتعصب القبلي، حتى ان الاستجابة الدستورية تبقى محط تأويل بين من يراها خطوة جادة ومهمة من طرف الدولة للإعراب عن تشبتها بالأمازيغية كمكون من مكونات الهوية الوطنية المغربية ومن لا يراها إلا محاولة لامتصاص الغضب الأمازيغي.
ومن جهتنا، ولكي نكون في مأمن من كل الصعوبات المشار إليها أو على الأقل بعضها- ويتسم تحليلنا بالحياد العلمي الذي نادى به max weberسنستعين بمنهجين اثنين:
المنهج النسقي: والذي يقوم التحليل بمقتضاه على أربعة مبادئ: 1/الفعل الاجتماعيaction social، 2/الموقف situation، 3/الفاعلactor، 4/توجهات الفاعلactorisorientation.ومن خلاله يرى صاحبه ديفيد استون أن أي نظام يقوم بثلاث وظائف أساسية: أ-وظيفة التعبير عن المطالب. ب-وظيفة ضبط المطالب. ج – وظيفة تقليص او دمج المطالب.
إن اختيارنا لهذا المنهج دون سواه صاحبه قلق وتردد في الاختيار بينه وبين المنهج البنيوي، إلا أننا استبعدنا هذا الأخير لأننا سندرس الحقوق الأمازيغية (المسار والمآل) ضمن نسق كمجموعة ذات معنى لعناصر مستقلة وليس ضمن بنية كمجموعة من الوقائع التي لا تشكل كلا ومتعلقة على نفسها، ضمن الأول سنمكن من دراسة مدخلات ومخرجات النسق موضوع الدراسة.
المنهج التاريخي: والذي يقوم بالبحث والكشف عن الحقائق التاريخية، من خلال تحليل وتركيب الأحداث والوقائع الماضية الموثقة، وإعطاء تفسيرات علمية على شكل نظريات وقوانين عامة نسبيا".
واستعانتنا بهذا المنهج فرضتها العودة التاريخية التي سنقوم بها في بحثنا هذا، وهي ليست للفسحة أو للسرد وإنما لفهم كيفية تطور وبلورة الحقوق الأمازيغية إذ أن للزمن والتاريخ بعد اجتماعي، فالتاريخ نعود إليه لفائدته في مساعدتنا على فهم الحاضر: والحاضر يسكنه
الماضي فالماضي لا يموت بسرعة والحاضر لا يولد بقوة. إن هذا التساكن بين القديم والجديد حملنا للعودة إلى أهم المراحل والوثائق التي تؤرخ وتؤسس دراستنا.
تبعا لذلك ، سنحاول معالجة أول إشكال : كيف تأسس الوعي الصحيح بالهوية الأمازيغية؟ أو على نحو آخر كيف تم الانتقال من مرحلة العشوائية إلى مرحلة التنظيم فيما يخص المطالبة بالحقوق الأمازيغية
يتبع…..
—————
المصادر
محمد عابد الجابري، حول مفهوم الثقافة الوطنية، الثقافة المعترك السياسي زمن الأيديولوجيا، سلسلة مواقف العدد 11، ص 79
عبد الله العروي، من ديوان السياسة، المركز الثقافي العربي، ص 55.
بوعبيد عباسي، منهجية العلوم القانونية، الطبعة الأولى 2015، ص 37.