شمس العشية من مقر العمالة.. احتجاجات ناعمة وقراءة في انكسارات بروتوكول عامل سطات

في غمرة احتفالات الشعبي المغربي قاطبة بالذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، على عرش أسلافه المنعمين، ربما هناك من تصوّر أن المناسبة مجرّد عبور شكلي في رزنامة الأحداث الرسمية، فبدل أن يتعامل عامل إقليم سطات مع اللحظة بما تستحقه من رمزية وهيبة، انشغل بتوجيه “فرمان” لتكديس الكراسي في بهو صغير بقصر عمالة سطات، تحول بقدرة قادر إلى قاعة خانقة، لم يتم اختيار محيط تزيين جنباته بعناية فائقة وتقدير يليق بالحدث المهيب، بعدما تم اصطفاء وتثبيت اللون الأسود في مختلف الجنبات اللهم الواجهة الأمامية، في صورة أشبه ما تكون بصندوق أسود مغلق على أخطاء البروتوكول وفوضى التقدير، حيث بدا وكأن الهدف لم يكن الإنصات للخطاب، بل تمرير المناسبة بأقل قدر ممكن من الهواء “الأوكسجين” والكرامة المؤسسية، على خلاف السنوات السالفة.
سادتي الكرام؛
ما جرى يوم أمس خلال مراسيم الإنصات لخطاب العرش بمقر عمالة سطات، لم يكن مجرد سهو عابر، بل سقطة بروتوكولية فادحة لا تُغتفر، فأن يظل عامل الإقليم جالسًا متسمرا في كرسيه، أثناء الدعاء لصاحب الجلالة من طرف ممثل المجلس العلمي نيابة عن ساكنة الإقليم، فذاك ليس فقط استخفافًا بلحظة وطنية ذات رمزية سامية، بل خرق صريح لأبسط قواعد الاحترام الواجب للمؤسسة الملكية. حيث إن عدم الوقوف في تلك اللحظة ليس مجرد خطأ، بل رسالة سلبية تُبث من قلب الإدارة الترابية، وتستدعي مساءلة واضحة وموقفًا صارمًا. إذ لم نشهد في تاريخ هذه المناسبات ما يشبه هذا التصرف المستهتر، وكأن البروتوكول أصبح وجهة نظر، والرموز الوطنية مسألة ذوق شخصي. إنها سابقة صادمة، تؤكد أن الخلل أعمق مما نظن، وأن زمن المجاملة قد انتهى.
سادتي الكرام؛
وأنا أتابع مختلف احتفاليات المدن المغربية، سرقت مني احتفالية الانصات للخطاب الملكي بمقر عمالة عاصمة أولاد حريز الانتباه، حيث ظهر في الصفوف الأولى عدد من رموز كبرى تمثل مؤسسات حساسة، تابعوا الإنصات للخطاب السامي لملك البلاد بجوار عامل إقليم برشيد بدل عامل سطات، ما طرح ويطرح أكثر من علامة استفهام: هل هي مصادفة عابرة؟ أم رسائل ناعمة وليست نائمة؟ ربما هي رسالة بروتوكولية راقية بلغة غير مكتوبة، لا يتلقفها إلى ذوو الألباب !! خاصة أن الأمر لم يتوقف على حفل الإنصات بل تلته مراسيم تحية العلم الوطني، حيث لقي عامل إقليم برشيد مؤازرة من نفس الرموز، في دعم معنوي ورمزي نتيجة الحزم والجدية التي أظهرهما خلال الأسابيع الأولى منذ تعيينه المولوي على رأس عاصمة أولاد حريز، في وقت أن السلطة الإقليمية بسطات لم تكلف نفسها عناء تنظيم نفس مراسيم تحية العلم الوطني بمقر عمالة سطات.
سادتي الكرام؛
الواقعة لم تقف عند هذا الحد، فالقاعة إن لم نقل البهو الصغير الذي أختير فضاء للإنصات بمقر عمالة سطات، كان ضيقا، خانقا، لا يليق بمقام اللحظة ولا بحرارة الخطاب، فالهواء فيه كان مقطوعًا لغياب التهوية او المكيفات..، ربما عن قصد، حيث يُخيّل إليك أن المنظمين أرادوا اختبار صبر الحضور من المدعوين بدل مشاركتهم روح المناسبة.
أما الإعلام… فقد تم التعامل معه كما يُتعامل مع ضيوف غير مرغوب فيهم. قُبروا في زاوية مظلمة، بعيدة عن الحدث، وكأن توثيق اللحظة أصبح حكرًا على “عدسات محظوظة” تعرف متى تلتقط ومتى تتجاهل، ما اضطر عدد من منتسبي صاحبة الجلالة إلى الانسحاب في صمت، كما ينسحب المثقف من نقاش فارغ، مفضلين متابعة خطاب العرش في شاشات المقاهي أو على هواتفهم.
سادتي الكرام؛
تبقى الطرفة الكبرى، في تكرار توجيه البوصلة العاملية إلى مشاريع شهدت تدشينا سابقا في مناسبات خلت، دون خجل من الذاكرة الجماعية، ولا احترام لذكاء المتابع. فهل هو إصرار على الحضور في الصورة؟ أم محاولة يائسة لملء فراغ رمزي؟
نعم، قد يكون عامل الإقليم نجح في استمالة بعض المنتخبين عبر بوابة “شركات التنمية”، لكن فاعلين كُثر اختاروا التواري عن الأنظار، ربما لأنهم يدركون أن احترام الذات لا يُقايض بالحضور في الصف الأول.
سادتي الكرام؛
المفارقة الأكثر عبثية؟ أن عمالة سطات نفسها، ولأول مرة منذ سنوات إن لم نقل عقود، لم تُكلّف نفسها عناء تزيين محيطها ولو بمصباح معلق أو شريط وطني على نافورة ميتة، فحتى نافورة العمالة التي كانت تستقبل الوافدين بصوت خرير تدفق مياهها، كان شاحبة “جافة”، لا زينة، لا ألوان، لا أدنى مظهر احتفالي. كأن العرش مرّ من هنا… ولم يُرَ.
ختاما سادتي؛
سطات هذه الأيام لا تعاني من قلة المناسبات، بل من قلة التنظيم الجاد، ولحسن الحظ، أن العرش يعلو فوق كل هذا، وأن رمزيته لا تُقاس بعدد المكيفات ولا بمكان الكاميرا..