باشا سطات.. بين التصفيق الميداني والتنبيه المؤسساتي خيط رفيع لمن يلتقطه

في العادة، لا يميل الخط التحريري لسكوب ماروك، لتسليط الضوء على رجال السلطة، على اعتبار أن المهام التي يقدمونها لفائدة المجتمع، ليست إلا مجرد قضمة يسيرة من المسؤوليات والاختصاصات التي تقع على عاتقهم، خاصة في ظل السياقات التي تعود فيها السلطة المحلية إلى تموقع دفاعي، يطغى عليه الهاجس الأمني أو الروتين الإداري، غير أن خرم إبرة يدخل منه سنا الضوء، الذي قد تأتي في وقت يعم فيه الظلام، ربما سيشكل لا محالة تيمة لطرح علامات استفهام عريضة وقراءات عمودية وأفقية، وربما هو ما استفز سكوب ماروك لتخصيص افتتاحية على قدر هيبتها عن تحركات باشا سطات.
اسمحوا لي يا سادة؛ أن نتجاوز منطق “التحفظ”، لأن موضوع اليوم، ربما خاضع للتقييم الإداري إيجابا أو سلبا، لكن لا بأس من أن نسبقه بالتفاتة عن نموذج إداري مغاير، يُعيد بناء العلاقة بين المواطن والإدارة على أسس والتزامات جديدة.
سادتي الكرام؛
باشا مدينة سطات، خلال الأشهر الأخيرة، قدم نموذجا يستحق التوقف عنده، ليس من منطلق الشخصنة، وإنما من زاوية علمية تحليلية تستحضر مقاربات الحكامة الجيدة والذكاء الترابي، لقد اختار الرجل الاشتغال بمنهجية مزدوجة، تستحضر الحضور الميداني القوي من جهة، وتفعيل منطق البدائل التوافقية من جهة أخرى، وهو ما يعكس فهمًا متقدمًا لوظيفة رجل السلطة في السياق المغربي الجديد.
إن أبرز تمظهرات هذا الفهم، تجسدت في تدبير ملف عدد من الحرف المتنقلة، وتحديدًا بائعي الحلزون والمشاوي، الذين ظلوا لسنوات يحتلون فضاءات الشارع العام، في حالة تعايش سلبي بين الفوضى والتساهل الإداري، حيث أن التدخل لم يكن أمنيا صرفا، ولا “حلا سطحيا”، بل كان ثمرة مقاربة نسقية، تقوم على الاستماع والتفاوض وخلق بديل ترابي مندمج، يتمثل في إعادة توطينهم خلف القصبة الإسماعيلية، دون صدام، وضمن شروط تحفظ الكرامة الاقتصادية لهؤلاء الفاعلين غير النظاميين.
سادتي الكرام؛
هذا النوع من التدخلات، يعيدنا إلى مفهوم “السلطة المتصالحة”، حيث يتحول رجل الإدارة إلى وسيط اجتماعي، ينخرط في إنتاج الحلول بدل فرض القرارات أو التنزيل الحرفي لفصول القوانين والإجراءات الإدارية، وهي نقلة نوعية، قلما نشهدها في مدن متوسطة بحجم سطات، حيث تظل التحديات مركبة والتوازنات دقيقة، لكن في نفس الوقت لا يجب أن نختزل هذه المشاهد والإجراءات في “إشادة فردية” بباشا سطات، بل بتنويه جماعي بكل المتدخلين والفاعلين الذي انخرطوا طواعية كل من منصبه وموقع وصفته، انطلاقا من ذلك المواطن البسيط الذي أصغى وتفاعل مع التوجيهات، وصولا إلى عامل الإقليم الذي يعتبر المصدر الوحيد للقرارات في النفوذ الترابي لإقليم سطات، ليصبح لذينا نمط تدبيري قابل للتنزيل والتكرار، إذا توفرت الإرادة والقدرة على الإنصات، فحين يتم تحييد العنف الرمزي، وتستبدل التعليمات بمقاربات تشاركية، يصبح لرجل السلطة موقع وظيفي داخل المنظومة المجتمعية، وليس فقط موقعًا سلطويا فوقها، فإذا كان باشا سطات قد أتبث أن المفهوم الجديد للسلطة، الذي تحدث عنه جلالة الملك منذ سنوات، لا يزال قابلاً للتنزيل، إذا ما توفرت الجرأة الإدارية والمعرفة المجالية، وهي رسالة ينبغي أن تقرأ جيدا، من قبل من يهمهم الأمر.
لكن يا سادتي الكرام؛
وبقدر ما تفرض الموضوعية أن ننوه بنجاح بعض المبادرات، فإن الحياد التحليلي يفرض أيضًا التذكير بأن العمل الترابي لا يحتمل الشخصنة أو التمركز حول الذات، فالنجاح الإداري، مهما علا صداه في الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي أو في الأوساط الشعبية…، لا يُغني عن ضرورة احترام التسلسل المؤسساتي ومبدأ التشاور العمودي، لأن السلطة، مهما بدت منسجمة مع الميدان، تظل رهينة بمنطق الدولة، لا منطق المبادرة الفردية غير المؤطرة بعيدا عن سلطة العامل الذي يعتبر بمثابة ممثل صاحب الجلالة على تراب إقليم سطات.
ختاما سادتي الكرام؛
ولأن الخط التحرير لسكوب ماروك ليس مجرد تعبير عابر على غرار باقي نشرات صاحبة الجلالة، بل فلسفة تحمل بين طيات سطورها إشارات لمن له الفطنة في التقاطها واقتفاء رسائلها، فعليه، فإننا نُسجل بإيجابية ما تحقق، لكن مع تذكير واجب للسيد الباشا – من موقع الحرص لا التجريح طبعا – بأن النجومية الإدارية، مهما كانت عابرة أو متصاعدة، لا ينبغي أن تكون مبررًا للقفز على قواعد الانضباط الهيكلي، فاليوم قد تكون لك الريادة، لكن الغد قد يحمل قراءات أخرى، فلا القرار الصائب يُؤخذ في عزلة، ولا الميدان يُدار بالغريزة فقط، بل ضمن خريطة تواصلية واضحة مع الرؤساء، حماية لك أولًا، وللمؤسسة التي تمثلها ثانيًا.