بين صمت المثقفين وانبطاح الساسة ضاعت مدينة سطات

عندما وقف نيرون في شرفة قصره يتمتع برؤية روما وهي تحترق بكامل مجدها، كان يقف إلى جانبه مرافقه الفيلسوف رينون، فسأله نيرون كيف وجد منظر روما وهي تحترق، فقال له الفيلسوف: “إذا احترقت روما فسيأتي من يعيد بناءها من جديد، وربما أحسن مما كانت عليه، لكن الذي يحز في نفسي هو أنني أعلم أنك فرضت على شعبك تعلم شعر رديء فقتلت فيهم المعاني، وهيهات إذا ماتت المعاني في شعب أن يأتي من يحييها من جديد”.
تذكرت هذه الحكاية التاريخية وأنا أتأمل حال مدينة سطات اليوم. ففهمت أن ما وصلت إليه من الفوضى و”السيبة” على مختلف المستويات مردها ما جاد به عنوان الفيلم التلفزيوني المصري “حاميها حراميها”، يعني أن مشكلتنا الحالية في مدينة سطات ليست اقتصادية ولا سياسية، وإنما بفعل المسئولين الذين لم يقدروا المسئولية حق التقدير، ولم يكونوا سوى أشباه رجال، خان من وضعهم سوء الاختيار، ربما بسبب كونهم معينون بـ “المنطاد”، على حساب الجدارة، فخان من وضعهم سوء الاختيار.
ولعل أبلغ ما يلخص المعاني السالفة، ما قاله محمود درويش في إحدى قصائده الرائعة حول موت المدن وخلود المعاني: “نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل، وحبوب سنبلة تموت فتملأ الوادي سنابل…”
وبما اني احد سنابل مدينة سطات التي لا زالت لم تمت، فقد قررت وضع اصبعي على من يتلفع بأردية الشعارات البراقة حول تشجيع الاستثمار وتحريك العجلة الاقتصادية وتجنب الاحتقان، وفي ضغينته تحويل سطات إلى بقرة حلوب يتناوب أصدقائه على ثدييها، فمعظم المشاريع المندرجة فيما سبق والتي لن تكفي هذه المقالة لسردها، لا تتوفر على تراخيصها ولا دفاتر تحملاتها…، بل حظيت فقط بمباركة وحصانة ذاك المسؤول لتخرج لحيز الوجود عرجاء، رغما عن أعين مختلف المسؤولين المكلفين بمراقبتها أو الترخيص لها، ما يجعلهم بطريقة أو أخرى يوقعون على سقوطهم إن لم نقل انبطاحهم اللامشروط بغية نيل رضى نفس المسؤول، دون أن يحرك ذلك أي ردة فعل عند مثقفي المدينة او منتخبيها أو ساستها أو أعيانها أو أبنائها البررة…
إني أطلب من القارئ الكريم، أن يستخدم العقل والتدقيق والتمعن العميق قبل الإقدام على إصدار الأحكام، إن الرأي العام لا ينبغي أن يجر وراء البهرجة واجترار الشعارات “تشجيع الاستثمار” أو “جلب مشاريع واعدة”، بقدر ما يحتاج إلى مراجعة شاملة لمختلف الاحداث والمشاهد البائسة التي آلت إليها مدينة سطات جراء المسؤول الذي بات بمثابة آمون وشكل له حراسا للمعبد يخدمونه، حتى إن جمع حقائبه لوجهة أخرى، ما سيرهن معه مستقبل المدينة المكلومة لعقود أخرى.
لكن سأعيدها مرة أخرى ببيان محمود درويش: “نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل، وحبوب سنبلة تموت فتملأ الوادي سنابل…”.