رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي

رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي

لابد من الإشارة ان هذا العمود مستلهم من عمود لزميلي حسن حاتمي على أسبوعية الحوار الاجتماعي، استرعى انتباهي نظرا للكم الهائل من الأفكار التي رصعته وسهام التقويم ورسائل النبل التي حملها في طياته، 

حيث يتكلم عن النقد من وجهة ابستمولوجية معتبرا أن النقد البناء عملية تقويمية للاعوجاج أو الخروج عن السطر تساعد كل مبدع ومتفوق على المزيد من النجاح والتقدم للأمام، وعرف عن النقد أنه مفيد وله فوائد كبيرة، لهذا يعتبره البعض عملية نبيلة إيجابية، و تعريفه اللغوي  يتلخص في تفحص الشيء والحكم عليه و تمييز الجيد من الرديئ.

بينما، في وقتنا الحالي وخاصة مع دستور 2011 الذي خول صلاحيات جديدة في التعبير عن الرأي وحرية أكثر في تقديم الاقتراحات والآراء، تحول الجميع إلى نقاد غير واعين بالمعنى الحقيقي للحريات التي جاءت بها مضامين الدستور، حتى أن بعضهم لا يستطيع نسج جملة مفيدة ومع ذلك تجده يتظاهر بالفهم أكثر من الآخرين وينتقذهم، حاملا قلما أحمرا.

في السياق ذاته، فإن هذا النوع الثاني من النقد يحمل في طياته قسوة ووسطه تكمن محاولة للتحطيم والتهميش وتقليل الانجاز  والبعض منه يأتي لكشف العيوب ولو كان كاذبا. إلا أن من أهم ألوان النقد المؤذي هي تلك التي تحمل ملامح شخصية منفصمة  تتستر خلف غطاء النقد لتمرير رسائل موجعة والتبشير بنتائج فاشلة لأي انجاز ولو كان عظيما رغبة في تفريغ المكبوتات الظلامية التي تغلف القلب بنظرة انتقامية نحو المجتمع والمتميزين داخله وهذا النوع من النقاد غالبا ما يكون قد عاش أو عايش أو يعيش حالة نفسية أو ذهنية أو جسدية متذبذبة، مما يعطيه سلوكا متقلبا نحو مكونات المجتمع في محاولة للانتقام، ولأن ضعاف النفوس أقل من خدمة الناجحين ولأن وسيلتهم للتعبير عن ضغائنهم وحسدهم هي الكلمات القاسية المحبطة فهم يستحضرون مفهوم النقد على عظم شموخه وبياض نزاهته فيوظفونه لتحقيق مآربهم في الانقضاض على المنجز وصاحبه وتقديم سلة من الكلمات اللاذعة تحت غطاء قيم نقية وهو النقد سواء لضغينة في نفسهم أو بإيعاز من شخصيات أخرى وظفوا أفواههم للتطبيل لها بمقابل.

في هذا الصدد، كل مبدع وناجح يجب أن يسعى نحو النقد وينشده في كل تجربة وفي كل مرحلة من مراحل أعماله سواء أكانت هذه الأعمال أدبية على مختلف أنواعها أو كانت فنية على تعدد أصنافها أو إنسانية أو معرفية أو ثقافية أو علمية. لكن كيف نستطيع أن نميز النقد القيم الراقي من النقد الهدام ؟ وللحكم والتفريق فإننا دوما نلمس في النقد البناء رغبة في الإصلاح والتقويم بمعنى أنه يأتي محملا بالملاحظات والعيوب وتقديم مقترحات للإصلاح دون تهبيط واستخفاف، ثم أنه يقدم بدائل ويوضح نتائج ويحلل، وهنا تمكن فائدته العظيمة، أما النقد الهدام فيظهر من لغته القزمية وتركيزه على العيوب وتضخيمها والتقليل من المنجز أيا كان نوعه أو لونه، ثم إنه يتجرد ويتخلى عن تقديم بدائل وحلول وإذا قدمها فتكون غير موضوعية ولا تتمتع بالدقة والمعقولية. يجب أن لا نغضب من النقد ونحاول أن نفرق بين الهدم والبناء، ونحاول أن نجعل دوما بجانبنا أصواتاً ناقدة تهدي العيوب وتقدم النصح، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي". وتذكر دوما أنه كلما كثر الحديث الناقد الموجه لك فإن هذا دليل على تميزك وتقدمك وأنك تلفت الانتباه، فلو كنت نكرة لما وجهت إليك سهام قاسية تحت ستار النقد، فخذ منه ما يفيدك وانس ما قد يضر تبعا للبيت الشعري : إذا أتتني مذمة من ناقص …فهي الشهادة لي أني كامل…